للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(جازاها ربها بالقبول) والرضا وعدم الطرد وأفاض عليها إنعامه، فكان لها الختام الحسن للأجل، كما قال رضي الله عنه (وحسن الختام) وفي هذا براعة التمام؛ وهو أن يأتي المتكلم في آخر كلامه بما يؤذن بانتهائه. وحسن الانتهاء مما ينبغي التأنق فيه عند البلغاء؛ لأنه آخر ما يعيه السمع ويرسم في النفس، فإذا كان مستلذاً جبر ما قبله من التقصير، كالطعام اللذيذ بعد غيره، كما ينبغي في الابتداء ليكون أول ما يقرع السمع لذيذاً فيقبل السامع عليه كقوله:

بشرى فقد أنجز الإقبال ما وعدا

(وهيأ لها دار السلام) الدار: هي الجنة، والسلام؛ اسم من أسمائه تعالى: أي السالم من كل نقص. وإضافة الدار له للتشريف، كقولهم: بيت الله، والنبي صلى الله عليه وسلم: عبد الله. ويحتمل أن الإضافة من غير إضافة الموصوف على إرادة أنه صفة للدار: أي دار السلامة الدائمة فلا تنقطع بموت ولا كدر. (وناداها ربها) بكلامه النفسي المنزه عن صفات الحوادث. ويحتمل أنه ناداها ملك وهذا النداء عند حضور أسباب الموت كما هو ظاهر المصنف وقيل عند البعث، وقد ورد أن عزرائيل عليه السلام لو جذب الروح بألف سلسلة ما خرجت حتى تسمع كلام الله: {يا أيتها النفس المطمئنة} [الفجر: ٢٧] الآية.

وعن ابن عمر رضي الله عنه: «إذا توفي العبد المؤمن أرسل الله إليه ملكاً بتفاحة من الجنة فيقول: اخرجي أيتها النفس المطمئنة: اخرجي إلى روح وريحان؛ وربك عليك راض. فتخرج كطيب مسك والملائكة بأرجاء السماء يقولون:

ــ

حتى تستوفي أجلها ورزقها وجميع ما قدر لها فيها.

قوله: [جازاها ربها بالقبول]: أي أظهر لها المجازاة بذلك لما ورد: «إن المؤمن لا يخرج من الدنيا حتى يرى مقعده في الجنة وما أعده الله له فيها» فمن أجل ذلك تظهر البشرى في وجهه.

قوله: [وحسن الختام]: أي الموت على الإسلام وهو من أفراد القبول التي ظهرت أماراته وإنما خصه؛ لأنه أكبر العلامات.

قوله: [بما يؤذن بانتهائه]: أي كما في قوله تعالى: {له الحكم وإليه ترجعون} [القصص: ٨٨]؛ {ألا إلى الله تصير الأمور} [الشورى: ٥٣] وكقول الشاعر:

وإني جدير إذ بلغتك بالمنى ... وأنت بما أملت منك جدير

فإن تولني منك الجميل فأهله ... وإلا فإني عاذر وشكور

قال في التلخيص وأحسنه ما آذن بانتهاء الكلام حتى لا يبقى للنفس تشوق إلى ما وراءه كقوله:

بقيت بقاء الدهر يا كهف أهله ... وهذا دعاء للبرية شامل

وجميع فواتح السور وخواتمها واردة على أحسن الوجوه وأكملها.

قوله: [كقوله بشرى] إلخ: مثال لحسن الابتداء.

قوله: [الدار هي الجنة]: أي فمراد المصنف بدار السلام الجنة من حيث هي لأنها كلها تسمى دار سلام من حيث المعنى الذي قاله الشارح، وليس المراد خصوص دار السلام التي هي إحدى الجنان السبع الوارد بها الحديث.

قوله: [كما هو ظاهر المصنف]: قد يقال ظاهر المصنف أن النداء بعد الموت.

قوله: [حتى تسمع كلام الله يا أيتها النفس المطمئنة] إلخ: هذا ظاهر في النفس المؤمنة، وأما الكافرة فمقتضاه أنها لا تخرج أصلاً؛ لأنها لا تنادى بذلك فمن أجل ذلك يعسر خروجها وإخراجها من البدن كإخراج الماء الممتزج بالعود الأخضر فلذلك ورد: «أنه يرى أن السموات السبع انطبقت عليه فوق الأرض عند كل جذبة وأما المؤمن الطائع فيسهل عليه خروجها لسماع النداء فتشتاق» ولذلك قال شيخنا المصنف في آخر صلواته: وتول قبض أرواحنا عند الأجل بيدك مع شدة الشوق إلى لقائك يا رحمن.

قوله: [وعن ابن عمر]: هذا الحديث مما يؤيد أن المنادي لها الملك.

قوله: [أرسل الله إليه ملكاً بتفاحة]: صوابه ملكين بتحفة كما في الخازن ونصه قال عبد الله بن عمر: «إذا توفي العبد المؤمن أرسل الله عز وجل إليه ملكين وأرسل إليه بتحفة من الجنة فيقول اخرجي أيتها النفس المطمئنة، اخرجي إلى روح وريحان وربك عليك راض. فتخرج كأطيب ريح مسك وجد أحد في أنفه والملائكة على أرجاء السماء يقولون قد جاء من الأرض ريح طيبة ونسمة طيبة فلا تمر بباب إلا فتح لها، ولا بملك إلا صلى عليها حتى يؤتى بها الرحمن جل جلاله فتسجد له ثم يقال لميكائيل اذهب بهذه النفس فاجعلها مع أنفس المؤمنين ثم يؤمر فيوسع عليه قبره سبعون ذراعاً عرضه، وسبعون ذراعاً طوله، وينبذ له في الروح والريحان فإن كان معه شيء من القرآن كفاه نوره، وإن لم يكن جعل له فيه نور مثل نور الشمس في قبره ويكون مثله مثل العروس ينام فلا يوقظه إلا أحب أهله إليه، وإذا توفي الكافر أرسل الله إليه ملكين وأرسل إليه قطعة من كساء أنتن من كل نتن وأخشن من كل خشن فيقال لها أيتها النفس الخبيثة اخرجي إلى جهنم وعذاب أليم وربك عليك غضبان». اهـ بحروفه. إذا علمت ذلك تعلم النقص والتحريف الذي في كلام الشارح.

قوله: [إلى روح]: بفتح الراء وسكون الواو نور وراحة.

وقوله: [وريحان] أي روائح طيبة.

قوله: [بأرجاء السماء]: أي بجوانبها.

<<  <  ج: ص:  >  >>