للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قد جاء من الأرض روح طيبة فلا تمر بباب إلا فتح لها ولا بملك إلا صلى عليها» الحديث وفيه: «فيوسع عليه قبره سبعون ذراعاً عرضاً وسبعون ذراعاً طولاً ويملأ روحاً وريحاناً فإن كان معه شيء من القرآن كفاه نوره وإلا جعل له نور كالشمس» ({يا أيتها النفس المطمئنة} [الفجر: ٢٧]): الثابتة على الإيمان التي أيقنت بأن الله ربها وخضعت لأمره، الراضية بقضاء الله الآمنة من عذاب الله المطمئنة بذكر الله، إذ الأقوال فيها غير متباينة. وجعل شيخنا المصنف رحمه الله رحمة واسعة في التحفة في مناسبة اختيار استعمال الأسماء السبعة النفس سبعة أقسام، وأن صاحب النفس المطمئنة -التي مقامها مبدأ الكمال- متى وضع السالك قدمه فيه عد من أهل الطريق واستحق لبس خرقتهم لانتقاله من التلوين إلى التمكين، وصاحبها سكران هبت عليه نسمات الوصال يخاطب الناس وهو عنهم في بون لشدة تعلقه بالحق تعالى، يناسبه الإكثار من اسمه تعالى الرابع

ــ

قوله: [قد جاء من الأرض] إلخ: أي ومجيئها إلى السماء يكون على المعراج الذي عرج عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - ليلة الإسراء.

قوله: [إلا صلى عليها]: أي دعا لها بالرحمة والمغفرة.

قوله: [فيوسع عليه قبره سبعون ذراعاً]: العدد لا مفهوم له وإنما هو كناية عن عظيم السعة؛ لأنه ورد في رواية أخرى مد بصره وهذا في غير الميت غريباً وإلا فيوسع عليه قدر بعده عن منزله.

قوله: [وإلا جعل له نور كالشمس]: يؤخذ منه أن الذي معه القرآن نوره أعلى من الشمس وهذا النور حسي قال تعالى: {يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم} [الحديد: ١٢] الآية.

قوله: {يا أيتها النفس} [الفجر: ٢٧] إلخ: هذه الجمل بيان لصيغة النداء.

قوله: [إذ الأقوال فيها غير متباينة]: أي التفاسير فيها ترجع لشيء واحد لتلازمها. وحاصل التفاسير التي ذكرها الشارح ستة ومساقها هكذا الثابتة على الإيمان، أو التي أيقنت بأن الله ربها، أو التي خضعت لأمره، أو التي رضيت بقضائه، أو الآمنة من عذابه، أو المطمئنة بذكره، فالمناسب للشارح أن يقول هكذا. وسبب نزولها قيل في حمزة بن عبد المطلب حين استشهد بأحد وقيل في حبيب بن عدي الأنصاري، وقيل في عثمان بن عفان حين اشترى بئر رومة وسبلها، وقيل في أبي بكر الصديق، قال المفسرون والأصح أن الآية عامة في كل نفس مؤمنة مطمئنة.

قوله: [وجعل شيخنا المصنف]: كان المناسب للشارح أن لا ينقل هذا المبحث فإن هذا لقوم مخصوصين يطلبونه بالخصوص لا لكل من يحضر الأحكام الفقهية فلا يؤخذ بالقال، وإنما يؤخذ بالحال فهو من السر المكتوم الذي لا يجوز التكلم فيه إلا من أهله لأهله والكلام فيه مع من يطلبه ومن لا يطلبه عبث. قال محيي الدين بن العربي: إن كلام القوم عليه أقفال لا تفتح إلا لأهله، فسوق هذا الكلام هنا كمن يبيع الجواهر في سوق الصدف، وإنما كان عليه أن يشرح الآية بكلام أهل التفسير، وجعل الشيخ النفس سبعة ليس من عند نفسه كما توهمه عبارة الشارح، بل هو تقسيم أهل الطريق قديماً أخذاً من الآيات القرآنية فإن هذه الآية يؤخذ منها المطمئنة والراضية والمرضية والكاملة والملهمة من قوله تعالى: {فألهمها فجورها وتقواها} [الشمس: ٨] واللوامة من قوله تعالى: {ولا أقسم بالنفس اللوامة} [القيامة: ٢] والأمارة من قوله تعالى {إن النفس لأمارة بالسوء} [يوسف: ٥٣] كما ذكره صاحب كتاب السير والسلوك.

قوله: [في التحفة]: متعلق بجعل وما بينهما اعتراض وهي اسم كتاب له في التصوف. وقوله: [في مناسبة]: متعلق أيضاً بجعل وفيه تعلق حرفي جر متحدي اللفظ والمعنى بعامل واحد وهو معيب.

قوله [عد من أهل الطريق]: أي وهي الوقوف مع أحكام الشريعة ظاهراً وباطناً. قوله: [واستحق لبس خرقتهم]: أي بحسب ما يراه الشيخ العارف من حاله، ثم هي إما حجة له إن كان على قدمهم باطناً وظاهراً وإلا فهي حجة عليه.

قال بعض العارفين خرقة القوم لأهلها نور وزينة ولغيرهم سماجة وظلمة، وربما دخل في وعيد قوله تعالى: {لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب ولهم عذاب أليم} [آل عمران: ١٨٨].

وأما قول بعض العارفين:

فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم ... إن التشبه بالرجال فلاح

فإن المراد الاقتداء بهم في العمل ومجاهدة النفس.

قوله: [لانتقاله من التلوين إلى التمكين]: علة للاستحقاق، والتمكين هو الطمأنينة والرسوخ في الأخلاق المرضية، والتلوين هو عدم ذلك وسمي تلويناً لكثرة تغيراته.

قوله: [يناسبه] إلخ: قال الشيخ في التحفة وهذا المقام لا يمكن الوصول إليه عادة لغير السالكين ولو أتى بعبادة الثقلين؛ لأن غير السالك مقيد بقيود الشهوات والشرك الخفي لا ينفك عنها إلا بأنفاس المشايخ العارفين مع المجاهدة والتزام الآداب على أيديهم وغير هذا لا يصح. اهـ. فإذا

<<  <  ج: ص:  >  >>