في التلقين. يعني: حق، وإن الأمارة ذات الحجب الظلمانية التي مقامها مقام الأغيار يوافقها في تمزيق حجبها الإكثار من "لا إله إلا الله" وأن اللوامة: الكثيرة اللوم لصاحبها -التي مقامها مقام الحجب النورانية لكونها ليست كثيفة وهي توابة– يناسبها الإكثار من اسمه تعالى: "الله".
وأن الملهمة: التي ألهمت فجورها وتقواها مقامها مقام الأسرار، صاحبها نشوان، يغلب عليه المحبة والهيمان والتواضع والإعراض عن الخلق والتعلق بالحق، يناسبه كثرة استعمال اسمه تعالى "هو" بالمد؛ لتخلص من ورطتها وأن الراضية كثيرة الرضا بالقضاء والتسليم مقامها مقام الوصال صاحبها غريق في السكر يناسبه الخلوة وكثرة ذكر اسمه تعالى: "الحي" ليحيي به نفسه. وأن النفس المرضية صاحبها لا يرى صدور الأفعال إلا من الله تعالى؛ لأن مقامها مقام تجليات الأفعال، فلا يمكنه الاعتراض على أحد، حسن الخلق، يتلذذ بالحيرة، كما قيل:
زدني بفرط الحب فيك تحيرا ... وارحم حشاً بلظى هواك تسعرا
ويناسبه كثرة ذكر اسمه تعالى: "قيوم". وأن النفس الكاملة مقامها مقام تجليات الأسماء والصفات يناسبها كثرة ذكر اسمه تعالى: "قهار" ليحصل لها تمام القهر ويزول عنها بقايا النقص وحالها البقاء بالله، تسير بالله إلى الله، وترجع من الله إلى الله، ليس لها مأوى سواه علومها مستفادة من الله كما قيل:
وبعد الفنا بالله كن كيفما تشا *** فعلمك لا جهل وفعلك لا وزر
اهـ. باختصار وتصرف.
وهذا لا ينافي قول من قال: المحققون على أن النفس واحدة تختلف بالصفات، قال شيخنا العلامة سيدي الشيخ محمد الأمير: واعلم أن بعض الناس يغلط فيقول: إن استعمال الأسماء السبعة من خصوص طريق الخلوتية، كيف والله تعالى يقول: {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها} [الأعراف: ١٨٠]: وقال المصنف رضي الله عنه فيها: واعلم أن طريق أهل الحق مدارها على الصدق ورأس مالها الذل ونهايتها الفرق، وقال العارفون: حكم القدوس أن لا يدخل حضرته أرباب النفوس كثرة الكلام توجب عدم الاحترام، كثرة مصاحبة الناس توجب الإفلاس
ــ
كان هذا في مبدأ الكمال فما بالك بصاحب النفس الراضية والمرضية والكاملة، فتعذر الوصول إليها من غير المشايخ أولوي فلذلك قلنا التكلم في تلك المقامات لا يناسب هذا المقام.
قوله: [في التلقين يعني حق]: هذا من كلام الشارح وليس من كلام التحفة.
قوله: [ذات الحجب الظلمانية]: أي الشهوات المحرمة المكروهة.
قوله: [مقام الأغيار]: أي إن صاحبها منهك في شغله بغير الله.
قوله: [الإكثار من لا إله إلا الله]: أي حتى تمتزج بلحمه ودمه مع الخروج عن كل هوى كما قال العارف البكري:
واخرج عن كل هوى أبداً
فالإكثار منها يورث التوبة؛ لأنه ينقله منها إلى اللوامة ولذلك كان الجنيد إذا جاءه العصاة يأخذون عنه الطريق لا يقول لهم توبوا بل يأمرهم بالإكثار منها.
قوله: [مقام الحجب النورانية]: أي وهي كناية عن حبها الطاعات لأغراض تعود عليها فلذلك كانت حجباً ولا يملك نفسه عند الوقوع في المعصية وإن كان يكرهها فلذلك كان كثير التوبة ويسمى تواباً وهو ممدوح لقوله تعالى: {إن الله يحب التوابين} [البقرة: ٢٢٢] لقوله تعالى: {ولا أقسم بالنفس اللوامة} [القيامة: ٢].
قوله: [الإكثار من اسمه تعالى الله]: أي لأنه الاسم الجامع وإنما طلب الإكثار منه مجرداً؛ لأن ظلمة الشرك وما ألحق به قد أزيلت عن قلبه.
قوله: [وأن الملهمة]: أي التي مدحها الله تعالى بقوله: {ونفس وما سواها * فألهمها فجورها وتقواها * قد أفلح من زكاها} [الشمس: ٧ - ٩] أي طهرها من الذنوب وشهواتها وقوله تعالى: {وقد خاب من دساها} [الشمس: ١٠] معناه دسها بالمعاصي وألبسها بها.
قوله: [يغلب عليه المحبة] إلخ: تفسير لنشوان.
قوله: [مقام الوصال]: أي الحضور مع ربه في سائر الأحوال.
قوله: [كما قيل زدني] إلخ: القائل له سيدي عمر بن الفارض.
قوله: [كما قيل وبعد الفنا] إلخ: القائل له سيدي محمد بن وفا.
قوله: [اهـ باختصار وتصرف]: أما الاختصار فقد حذف جملة من الكلام وقد نبهنا على بعضها وأما التصرف فبالتقديم والتأخير في بعض العبارات وقد علمت أنه لا حاجة لنقلها.
قوله: [المحققون] إلخ: مقول القول.
قوله: [وهذا لا ينافي]: أي بل هو عينه لأن الأقسام المذكورة لصفاتها لا لها.
قوله: [قال شيخنا العلامة] إلخ: الجواب عن هذا الإشكال أن طريق الخلوتية فتحها مقصور على تلك الأسماء وليست تلك الأسماء مقصورة عليهم، وقد أجاب شيخنا العلامة المذكور بهذا الجواب فسوق بحثه من غير جواب غير مناسب.
قوله: [فيها]: أي التحفة.
قوله: [ونهايتها الفرق]: أي والجمع فمعنى الفرق شهود العبد لصنعه تعالى، ومعنى الجمع شهوده لربه ويسمى بمقام البقاء ومقام الكمال.
قوله: [حكم القدوس] إلخ: أي أخذاً من الحديث القدسي في مناجاة داود - عليه السلام -: " قال كيف الوصول إليك يا رب؟ قال خل نفسك وتعال ".
قوله: [توجب الإفلاس]: أي كما قال العارف البكري:
فإن من علامة الإفلاس ... كون الفتى يألف قرب الناس
فإن جمعهم يضر بالولي ... فكيف من يحجبه جهلا ملي