للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا يتطهر من الرعونات إلا من خالف نفسه في الشهوات، وذكر الله في جميع الحالات، من لم يحرق البداية لم تشرق له نهاية، من لم يخالف النفس والشيطان لم يتحقق بصفات أهل العرفان، من لم يكن عبداً للرحمن فهو عبد للشيطان، فانظر أيهما يستحق العبادة. اهـ باختصار.

وقصدت بنقل ذلك التبرك، لعل الجواد الكريم ينفحنا بحبهم ({ارجعي إلى ربك} [الفجر: ٢٨]) لرؤيته تعالى وما أعده الله مما لا يتناهى من الإكرام، وقيل: إلى صاحبك وهو الجسد على أن النداء عند البحث [١]. ({راضية}) بما أعطاك ربك ({مرضية}) رضي ربك عليك ({فادخلي في عبادي} [الفجر: ٢٩]) الصالحين المصطفين. ({وادخلي جنتي} [الفجر: ٣٠]) في الحديث: «أول من يدعى إلى دخول الجنة الحامدون على السراء والضراء» (دار السلام): السلامة من كل مخوف مصحوبة (بسلام) أمن من كل مكدر ({دعواهم فيها سبحانك اللهم} [يونس: ١٠]) أي كلامهم أو دعاؤهم في الجنة والتسبيح تنزيه عن كل نقص يتلذذ به أهل الجنة وفي الحديث: «يلهمون التسبيح والتحميد» وورد: «إذا أرادوا طعاماً قالوا سبحانك اللهم فيحمل لهم ما يشتهون على الموائد، كل مائدة ميل في ميل، على كل مائدة سبعون ألف صحفة في كل صفحة لون فإذا فرغوا قالوا الحمد لله»

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قال سبحان الله وبحمده في كل يوم مائة مرة حطت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر» وفي العياشي عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قال بعد صلاة الجمعة سبحان الله العظيم وبحمده مائة مرة غفر الله له مائة ألف ذنب ولوالديه أربعة وعشرين ألف ذنب» ({وتحيتهم فيها سلام} [يونس: ١٠]) يحييهم الله والملائكة وبعضهم بعضاً قال تعالى {سلام قولاً من رب رحيم} [يس: ٥٨] {لا يسمعون فيها لغواً ولا تأثيماً، إلا قيلاً سلاماً سلاماً} [الواقعة: ٢٦] {والملائكة يدخلون عليهم من كل باب، سلام عليكم} [الرعد: ٢٣ - ٢٤].

({وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين} [يونس: ١٠]) وقد ورد: «إن أهل الجنة

ــ

قوله: [من الرعونات]: أي الطبائع الشهوانية.

قوله: [من لم يحرق البداية]: أي إذا لم يجاهد في بدايته فيخرج عن كل هوى لم تظهر له أنوار في النهاية وهو معنى قول صاحب الحكم ادفن وجودك في أرض الخمول فما نبت مما لم يدفن لم يتم نتاجه.

قوله: [على أن النداء عند البعث]: أي وأما على التفسير الأول فعلى أن النداء عند الموت أو البعث.

قوله: {راضية} [الفجر: ٢٨] إلخ: أي وهو معنى قوله تعالى: {رضي الله عنهم ورضوا عنه} [البينة: ٨].

قوله: {فادخلي في عبادي} [الفجر: ٢٩]: أي وقت البعث والحشر؛ لأن من أحب قوماً حشر معهم قال تعالى: {إن الذين سبقت لهم منا الحسنى} [الأنبياء: ١٠١] الآيات وقال تعالى: {يا عباد لا خوف عليكم اليوم} [الزخرف: ٦٨] والإضافة للتشريف وإلا فالكل عباده.

قوله: {وادخلي جنتي} [الفجر: ٣٠]: أي مع الصالحين ولأهل الإشارات تفاسير منها أن الله يناديها في الدنيا بهذا النداء حيث اتصفت بتلك الأوصاف يقول لها يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك بفنائك عما سواه، راضية بأحكامه، مرضية له بأوصافك، فادخلي في عبادي الصالحين أي فكوني معدودة فيهم ومحسوبة منهم، وادخلي جنتي شهودي في الدنيا ما دمت فيها وهي الجنة المعجلة، ويقال لها عند البعث ذلك على التفسير المتقدم ويراد بالجنة جنة الخلود وفسروا بذلك قوله تعالى: {ولمن خاف مقام ربه جنتان} [الرحمن: ٤٦] أي جنة الشهود في الدنيا التي قال فيها ابن الفارض:

أنلنا مع الأحباب رؤيتك التي ... إليها قلوب الأولياء تسارع

وجنة الخلد في العقبى وهذا النداء الواقع في الدنيا يسمعه العارفون إما في المنام أو بالإلهام.

قوله: [دار السلام] إلخ: قال تعالى: {لهم دار السلام عند ربهم وهو وليهم بما كانوا يعملون} [الأنعام: ١٢٧] وقال تعالى: {للذين أحسنوا الحسنى وزيادة} [يونس: ٢٦] فالحسنى هي الجنة والزيادة هي رؤية وجه الله الكريم.

قوله: [أو دعاؤهم في الجنة]: أي طلبهم لما يشتهونه من المآكل والمشارب في الجنة.

قوله: [وفي الحديث: «يلهمون التسبيح والتحميد»]: أي كما يلهمون النفس كما في أصل الرواية.

قوله: [وورد إذا أرادوا طعاماً] إلخ: المناسب التفريع بالفاء؛ لأنه معنى الآية.

قوله: [فيحمل لهم ما يشتهون]: أي يوضع لهم على الموائد.

قوله: [في كل صحفة لون]: أي لا يشبه بعضها لون الآخر كما في الرواية. وقال بعضهم المراد بقوله سبحانك اللهم اشتغال أهل الجنة بالتسبيح والتحميد والتقديس والثناء عليه بما هو أهله، وفي هذا الذكر سرورهم وابتهاجهم وكمال لذاتهم وهذا أولى. ويدل عليه ما روي عن جابر أنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «أهل الجنة يأكلون فيها ويشربون ولا يبولون ولا يتغوطون ولا يمتخطون قالوا فما بال الطعام؟ قال جشاء ورشح كرشح المسك يلهمون التسبيح والتحميد كما يلهمون النفس» اهـ. خطيب.

قوله: [فإذا فرغوا قالوا الحمد لله "]: أي قالوا: " الحمد لله رب العالمين " وهو معنى قوله تعالى: {وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين} [يونس: ١٠] فترفع حينئذ.

قوله: [وإن كانت مثل زبد البحر]: كناية عن كثرتها أي تغفر ولو كثرت. وظاهر الحديث ولو كانت كبائر لكن قيده العلماء بغير الكبائر لأن الكبائر لا يكفرها إلا التوبة.

قوله: قال تعالى {سلام قولاً من رب رحيم} [يس: ٥٨]: دليل لسلام الله عليهم.

وقوله: {إلا قيلاً سلاماً سلاماً} [الواقعة: ٢٦]: دليل لسلام بعضهم على بعض.

وقوله: {والملائكة يدخلون عليهم من كل باب} [الرعد: ٢٣] إلخ: دليل لسلام


[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[١] في ط المعارف: (البعث).

<<  <  ج: ص:  >  >>