فالصور أربع: نقل استفاضة عن مثلها أو عن عدلين، ونقل عدلين عن مثلهما أو عن استفاضة ولو لم يقع النقل عن الحكم من حاكم كما هو ظاهر كلام بعضهم، وهو الذي تقتضيه القواعد الشرعية، إذ كل من بلغه حكم عن عدلين أو عن ناقل عنهما بشرطه وجب العمل به، وقيل: لا بد من العموم في النقل عن الحكم بهما. وأما نقل العدل الواحد فلا يكفي، قيل: مطلقاً. والراجح أنه إن نقل عن حكم الحاكم بثبوته بالعدلين أو بالمستفيضة كفى وعم وإليه أشار بقوله:
(أو) نقل (بعدل) واحد أي عن حكم الحاكم لا عن العدلين ولا المستفيضة (على الأرجح و) يجب (على العدل) وأولى العدلين إذا رأى الهلال، وعلى (المرجو) القبول (الرفع للحاكم): أي بتبليغه أنه رآه، ولو علم المرجو جرحه نفسه؛ لعله أن ينضم إليه من يثبت به عنده فيحكم بالثبوت، وقد يكون الحاكم ممن يرى الثبوت بعدل.
(فإن أفطر): أي العدل أو المرجو الذي رآه وكذا كل من رآه فأفطر (فالقضاء والكفارة)، ولو تأول على الأرجح.
(لا) يثبت الهلال (بقول منجم) أي مؤقت يعرف سير القمر لا في حق نفسه ولا غيره؛ لأن الشارع أناط الصوم والفطر والحج برؤية الهلال لا بوجوده إن فرض صحة قوله. وقد علم من قولنا: "فإن أفطره" إلخ، أنه يجب على من انفرد برؤية رمضان الصوم وإظهاره.
(ولا يجوز فطر) أي إظهار فطر شخص (منفرد بشوال) أي برؤيته؛ لئلا يتهم بأنه ادعى ذلك كذباً ليفطر. وأما نية الفطر فتجب عليه (إلا بمبيح) للفطر في الظاهر كسفر وحيض لأن له أن يعتذر بأنه إنما أفطر لذلك.
(وإن غيمت) السماء ليلة الثلاثين بفتح الغين المعجمة والياء المشددة مبني للفاعل (ولم ير) الهلال (فصبيحته) أي الغيم (يوم شك)، وأما لو كانت السماء مصحية لم يكن يوم شك؛ لأنه إذا لم تثبت رؤيته كان من شعبان جزماً. واعترض بقوله صلى الله عليه وسلم: «فإن غم عليكم فاقدروا له» أي كملوا عدة ما قبله ثلاثين يوماً، فإنه يدل على أن صبيحة الغيم من شعبان، فالوجه أن تكون صبيحة يوم الشك ما تكلم فيه برؤية الهلال من لا تقبل شهادته.
(وكره صيامه للاحتياط) أي على أنه إن كان من رمضان اكتفى به
ــ
بثبوت الشهر لزم المالكي الصوم إلا إن حكم بوجوب الصوم، قاله شيخ مشايخنا العدوي. واعلم أنه إذا قيل بلزوم الصوم للمالكي وصام الناس ثلاثين يوماً ولم ير الهلال، وحكم الشافعي بالفطر، فالذي يظهر أنه لا يجوز للمالكي لأن الخروج من العبادات أصعب من الدخول فيها كما قاله الشيخ سالم السنهوري كذا في حاشية الأصل. ولا يناقض ما تقدم في قولنا، أما لو كان الحاكم بها شافعياً لا يرى تكذيبهما فإنه يجب عليه الفطر لقوة المخالفة هنا.
قوله: [فالصور أربع]: أي التي يثبت بها الصوم اتفاقاً وسيأتي التفصيل في نقل العدل الواحد.
قوله: [بشرطه]: أي وهو أن ينقل عن كل عدل عدلان.
قوله: [والراجح أنه إن نقل] إلخ: الحاصل أن الأقسام ثلاثة: نقل عن حاكم، أو عن المستفيضة، أو عن العدلين؛ فالتعدد شرط في الأخيرين دون الأول، والمراد بالنقل عن الحاكم: ما يشمل النقل لحكمه أو لمجرد الثبوت عنده.
قوله: [ويجب على العدل] إلخ: أي وأما الفاسق فيستحب له الرفع ليفتح باب الشهادة لغيره.
قوله: [فالقضاء والكفارة ولو تأول] إلخ: أي بناء على أنه تأويل بعيد. وأما لو أفطر من لا اعتناء لهم بأمر الهلال مع ثبوت رؤية المنفرد له فعليهم الكفارة اتفاقاً ولو تأولوا، لأن العدل في حقهم كالعدلين.
قوله: [يعرف سير القمر]: أي يحسب قوس الهلال هل يظهر في تلك الليلة أم لا؟ وظاهره أنه لا يثبت بقول المنجم ولو وقع في القلب صدقه وهو كذلك.
خلافاً للشافعية، وذلك لأننا مأمورون بتكذيبه لأنه ليس من الطرق الشرعية.
تنبيهان:
الأول: لا يلفق شاهد شهد بالرؤية أول الشهر ولم يثبت به الصوم لآخر شهد برؤية شوال أخره على الراجح، فشهادة كل لاغية.
الثاني: من لا تمكنه رؤية الهلال ولا غيرها كأسير ومسجون كمل الشهور التي قبل رمضان وصام رمضان أيضاً كاملاً، وهذا إذا لم تلتبس عليه الشهور.
وأما إن التبست عليه فلم يعرف رمضان من غيرها، فإن ظن شهراً أنه رمضان صامه وإن تفاوت عنده الاحتمالات تخير شهراً وصامه، فإن فعل ما طلب منه فله أحوال أربعة: الأول: مصادفته فيجزئه على المعتمد من التردد في خليل. الثاني: تبين أن ما صامه بعده فيجزئه أيضاً فإن كان شوالاً قضى يوماً بدلاً عن العيد حيث كانا كاملين أو ناقصين، وإن كان الكامل رمضان قضى يومه، وإن كان شوالاً لا قضاء، وإن تبين أن ما صامه ذو الحجة فإنه لا يعتد بالعيد وأيام التشريق.
الثالث: تبين أن ما صامه قبله كشعبان فلا يجزئه قولاً واحداً. الرابع: بقاؤه على شكه فلا يجزئه على ما قال خليل. وقال ابن الماجشون وأشهب وسحنون: يجزئه لأن فرضه الاجتهاد، وقد فعل ما يجب عليه فهو على الجواز حتى ينكشف خلافه، ورجحه ابن يونس فتدبر قوله: [كالوجه]: حاصله: أن يوم الشك صبيحة الثلاثين إذا كانت السماء صحواً أو غيماً وتحدث فيها بالرؤية من لا يثبت به كعبد وامرأة، ولذلك قال في المجموع: وإن غيمت ليلة ثلاثين ولم تر