(ولو) كان المحاذي (ببحر) كالمسافر من جهة مصر ببحر السويس؛ فإنه يحاذي الجحفة قبل وصوله جدة فيحرم في البحر حين المحاذاة، (إلا كمصري) من كل من ميقاته الجحفة (يمر) ابتداء (بالحليفة) ميقات أهل المدينة (فيندب) له الإحرام (منها)، ولا يجب؛ لأنه يمر على ميقاته الجحفة، بخلاف غيره ولذا لو أراد المصري أن يمر من طريق أخرى غير طريق الجحفة لوجب عليه الإحرام من ذي الحليفة كغيره.
(وإن) كان المصري الذي مر بالحليفة (حائضاً) أو نفساء وظنت الطهر قبل الوصول للجحفة، فيندب لها الإحرام من الحليفة، ولا تؤخر للجحفة وإن أدى ذلك إلى إحرامها بلا صلاة لأن إقامتها بالعبادة أياماً قبل الجحفة أفضل من تأخيرها لأجل الصلاة.
(ومن مر) بميقات من هذه المواقيت، أو حاذاه حال كونه (غير قاصد مكة) أي دخولها، بأن قصد مكاناً دونها أو في جهة أخرى، ولو كان ممن يخاطب بالحج أو العمرة، (أو) قاصداً مكة وكان (غير مخاطب به) أي بالإحرام كعبد وصبي، (أو قصدها) عطف على مر، فهو في غير المار (متردداً) أي مقدراً التردد لدخولها كالمترددين لها لبيع الفواكه والحطب ونحوهما (أو عاد لها) أي لمكة بعد خروجه منها (من) مكان (قريب) دون مسافة القصر، (فلا إحرام عليه)، أي فلا يجب عليه إحرام في الأربع صور (وإلا) بأن قصد دخول مكة لنسك أو تجارة أو غيرهما، وكان ممن يخاطب بالإحرام وجوباً، ولم يكن من المترددين لنحو بيع الفواكه، أو عاد لها من بعيد فوق مسافة القصر (وجب) عليه الإحرام.
وضابط ذلك: أن كل مكلف حر أراد دخول مكة فلا يدخلها إلا بإحرام بأحد النسكين وجوباً ولا يجوز له تعدي الميقات بلا إحرام إلا أن يكون من المترددين، أو يعود لها بعد خروجه منها من مكان قريب لم يمكث فيه كثيراً فلا يجب عليه كالعبد وغير المكلف كصبي ومجنون.
(و) متى تعدى الميقات بلا إحرام (رجع له) أي للميقات وجوباً ليحرم منه (وإن دخل مكة ما لم يحرم) بعد تعدي الميقات فإن أحرم لم يلزمه الرجوع وعليه الدم لتعديه الميقات حلالاً ولا يسقطه عنه رجوعه له بعد الإحرام كما يأتي قريباً (ولا دم عليه) إذا رجع للميقات فأحرم منه إذا لم يحرم بعد تعديه، فقوله: "ولا دم" مرتبط بالمنطوق أي ورجع المتعدي للميقات بلا إحرام مدة كونه لم يحرم ولا دم عليه، فإن أحرم فالدم، ولا ينفعه رجوعه (إلا لعذر) مستثنى من قوله "ورجع"، أي ويجب الرجوع إلا لعذر (كخوف فوات) لحجه لو رجع، أو فوات رفقة أو خاف على نفس أو مال أو عدم قدرة على الرجوع فلا يجب عليه الرجوع، وإذا لم يجب (فالدم) واجب عليه لتعديه الميقات حلالاً، (كراجع) له (بعد إحرامه) عليه الدم، ولا ينفعه الرجوع بعده فأولى إذا لم يرجع فمتعدي الميقات حلالاً إذا لم يرجع له قبل إحرامه يلزمه الدم في جميع الحالات ولو فسد حجه أو كان عدم الرجوع لعذر (إلا أن يفوته) الحج بطلوع فجر يوم النحر قبل وصول عرفة، (فتحلل) منه (بعمرة) بأن نوى التحلل منه بفعل عمرة، وطاف وسعى وحلق بنيتها، فلا دم عليه للتعدي، فإن لم يتحلل بالعمرة وبقي على إحرامه لقابل لم يسقط عنه.
(وهو) أي الإحرام (نية أحد النسكين) أي الحج والعمرة، وأصل النسك: العبادة (أو هما) أي نيتهما معاً، فإن نوى الحج فمفرد، وإن نوى العمرة فمعتمر وإن نواهما فقارن، على ما يأتي بيانه إن شاء الله تعالى.
ــ
من الذي مر عليه.
قوله: [ولو كان المحاذي ببحر]: قيده سند بالقلزم وهو بحر السويس. أما عيذاب وهو بحر اليمن والهند - فلا يحرم حتى يخرج إلى البر، لأن الريح ترد فيه كثيراً، ورجح بخلاف بحر السويس فلا مشقة فيه إذا ردته الريح، لأن السير فيه مع الساحل فيمكنه إذا خرجت عليه الريح النزول إلى البر، فلذا تعين إحرامه من المكان الذي يحاذي فيه الميقات، قال محشي الأصل: وقد يقال إنه وإن أمكنه النزول إلى البر، لكن فيه مضرة بمفارقة رحله، فلذا قيل إنه لا يلزمه أن يحرم من المكان الذي حاذى فيه الميقات، بل له أن يؤخر إحرامه حتى يصل للبر فتأمله اهـ. لا سيما في هذا الزمان الذي إذا خرج فيه إلى البر لا يأمن على نفس ولا على مال.
قوله: [إلا كمصري] إلخ: قال الخرشي لما أوجب الجمهور إحرام من مر بغير ميقاته منه عموماً لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن» استثنى أهل المذهب من ميقاته الجحفة يمر بذي الحليفة، فلا يجب إحرامه منها لمروره على ميقاته. قوله: [أي مقدراً التردد]: إشارة إلى أن (متردداً) حال منوية؛ على حد قوله تعالى {فادخلوها خالدين} [الزمر: ٧٣].
قوله: [كالمترددين لها] إلخ: كانوا مخاطبين بالحج أم لا.
قوله: [من مكان قريب]: أي لم يمكث فيه كثيراً بدليل ما يأتي، وسواء كان مخاطباً أم لا.
قوله: [في الأربع صور]: أي إجمالاً وإلا فهي سبع تفصيلاً؛ لأن قوله: "ومن مر غير قاصد مكة" تحته صورتان: وهما مخاطب، أم لا. وقوله: "أو غير مخاطب به" صورة واحدة، وقوله: "أو قصدها متردداً": صورتان: مخاطب، أم لا، وقوله: (أو عاد لها - من قريب) صورتان أيضاً: مخاطب، أم لا.
قوله: [كالعبد]: تشبيه في عدم الوجوب، وجميع التي لا يجب فيها الإحرام لا دم عليه فيها بمجاوزته الميقات حلالاً ولو أحرم بعد ذلك، وإن كان صرورة مستطيعاً على الراجح.
قوله: [فإن أحرم فالدم]: أي ولو أفسده لوجوب إتمامه.
قوله: [فالدم واجب عليه]: أي ويحرم من مكانه.
قوله: [وأصل النسك العبادة]: أي مطلقاً حجاً أو غيره، ثم صار حقيقة عرفية في الحج