للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واعلم أن الواجب في باب الحج غير الفرض؛ إذ الفرض هنا هو الركن وهو ما لا تحصل حقيقة الحج أو العمرة إلا به، والواجب: ما يحرم تركه اختياراً لغير ضرورة، ولا يفسد النسك بتركه وينجبر بالدم.

(و) وجب على المحرم المكلف ذكراً أو أنثى (تلبية و) وجب (وصلها به) أي بالإحرام، فمن تركها رأساً أو فصل بينها وبينه بفصل طويل فعليه دم وبقي من الواجبات كشف الرأس للذكر.

(وسن) للإحرام (غسل متصل) به متقدم عليه كالجمعة فإن تأخر إحرامه كثيراً أعاده [١]، ولا يضر فصل بشد رحاله، وإصلاح حال (و) سن (لبس إزاره [٢]) بوسطه، (ورداء) على كتفيه، (ونعلين) في رجليه كنعال التكرور، وغالب أهل الحجاز أي أن السنة مجموع هذه الثلاثة، فلا ينافي أن التجرد من المحيط واجب، فلو التحف برداء أو كساء أجزأ وخالف السنة (و) سن (ركعتان) بعد الغسل وقبل الإحرام، (وأجزأ) عنهما (الفرض) وحصل به السنة، وفاته الأفضل.

ولا دم في ترك السنن، بخلاف [٣] الواجب، فإذا اغتسل ولبس ما ذكر وصلى (يحرم الراكب) ندباً (إذا استوى) على ظهر دابته (و) يحرم (الماشي إذا مشى) أي شرع فيه.

(وندب) للمحرم (إزالة شعثه) قبل الغسل بأن يقص أظفاره وشاربه ويحلق عانته وينتف شعر إبطه، ويرجل شعر رأسه أو يحلقه إذا كان من أهل الحلاق ليستريح بذلك من ضررها وهو محرم.

(و) ندب (الاقتصار على تلبية الرسول عليه الصلاة والسلام) وهي: "لبيك اللهم لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك" (و) ندب (تجديدها لتغير حال) كقيام وقعود وصعود وهبوط ورحيل وحط ويقظة من نوم أو غفلة (وخلف صلاة) ولو نافلة،

ــ

قوله: [واعلم أن الواجب] إلخ: هذا اصطلاح للفقهاء مخصوص بباب الحج، وأما في غيره فالواجب والفرض شيء واحد ولا مشاحة في الاصطلاح.

قوله: [ووجب على المحرم المكلف]: أي بخلاف الصبي فلا يطالب بها وليه إن عجز عنها، وظاهره أنه إن قدر عليها الصبي لا يجب على وليه أمره بها، ولا يكون في تركها دم، مع أن الأصيلي. قال عند قول خليل: "وأمره مقدوره" أي وجوباً، لأنه كأركان النافلة تتوقف صحة العبادة عليه، فعلى هذا لو ترك الصبي التلبية مع القدرة يكون عليه الدم، فلا يظهر تقييده بالمكلف فكان الأولى أن يعمم هنا كما عمم في التجرد.

قوله: [أو فصل بينها وبينه بفصل طويل]: أي وأما اتصالها بالإحرام حقيقة فسنة لا شيء في تركها، وعليه يحمل عطف خليل لها على السنن.

قوله: [متصل به]: واختلف هل هذا الاتصال من تمام السنة؟ فإذا اغتسل غدوة وأخر الإحرام للظهر لم يجزه وهو الموافق لكلام المدونة، وقال البساطي: الاتصال سنة مستقلة، فلو تركه أتى بسنة الغسل وفاتته سنة الاتصال.

قوله: [أعاده]: أي على قول المدونة، ويستثنى من طلب الاتصال من كان بالمدينة ويريد الإحرام من ذي الحليفة، فإنه يندب له الغسل بالمدينة، ويأتي لابساً لثيابه، فإذا وصل لذي الحليفة تجرد وأحرم. وهو معنى قول خليل: "وندب بالمدينة للحليفى".

قوله: [وسن ركعتان]: أي فأكثر وليس المراد ظاهره من أن السنة ركعتان فقط، بل بيان لأقل ما تحصل به السنة. ثم محل سنيتهما إن كان وقت جواز وإلا انتظره بالإحرام ما لم يكن مراهقاً، وإلا أحرم وتركهما، كما أن المعذور مثل الحائض والنفساء يتركهما.

قوله: [وحصل به السنة]: الحاصل أن السنة تحصل بإيقاع الإحرام عقب صلاة ولو فرضاً، لكن إن كانت نفلاً فقد أتى بسنة ومندوب، وإن فعله بعد فرض فقد أتى بسنة فقط. وانظر هل أراد بالفرض خصوص العيني؟ أو ولو جنازة وهو منذور النوافل، كالفرض الأصلي أم لا؟ وبقي من سنن الإحرام الإشعار والتقليد للهدي إن كان معه، ويكونان بعد الركوع.

قوله: [وصلى]: أي وأشعر وقلد إن كان معه ما يشعر أو يقلد.

قوله: [إذا استوى على ظهر دابته]: أي ولا يتوقف على مشيها وإحرام الراكب إذا استوى، والماشي إذا مشى على جهة الأولوية، فلو أحرم الراكب قبل أن يستوي على دابته، والماشي قبل مشيه كفاه ذلك مع الكراهة.

قوله: [ويرجل شعر رأسه] إلخ: هذا خلاف ما قاله الخرشي والمجموع، فإن الخرشي قال في حل قول خليل "وإزالة شعثه": أي ما عدا الرأس، فإن الأفضل بقاء شعثه في الحج ابن بشير: ويلبده بصمغ أو غاسول ليلتصق بعضه ببعض، ويقل دوابه اهـ. قال في الحاشية: قد ورد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لبد رأسه بالعسل كما في أبي داود، قال في القاموس: العسل بمهملتين صمغ العرفط بالضم: شجر العضاه.

قوله: [وهي لبيك]: معناه إجابة بعد إجابة، أي أجبتك الآن كما أجبتك حين أذن إبراهيم به في الناس، وكما أجبتك أولاً حين خاطبت الأرواح ب {ألست بربكم} [الأعراف: ١٧٢] كذا وقيل الأحسن ما قاله في المجموع: ومعنى لبيك إجابة لك بعد إجابة في جميع أمرك وكل خطاباتك.

قوله: [إن الحمد]: روي بكسر الهمزة على الاستئناف وبفتحها على التعليل، والكسر أجود عند الجمهور، وقال ثعلب: لأن من كسر جعل معناه إن الحمد لك على كل حال، ومن فتح جعل معناه لبيك لهذا السبب.

تنبيه: كان عمر يزيد: " لبيك ذا النعماء والفضل الحسن، لبيك لبيك مرهوباً منك ومرغوباً إليك "،


[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[١] في ط المعارف: (أعاد).
[٢] في ط المعارف: (إزار)، ولعلها الصواب.
[٣] في ط المعارف: (وبخلاف).

<<  <  ج: ص:  >  >>