فارتكب موجبات متعددة، فليس عليه إلا كفارة فقط. وأما محرم جاهل ظن إباحة أشياء تحرم بالإحرام ففعلها -إلا في فور- فعليه لكل فدية ولا ينفعه جهله. وكذا من علم الحرمة وظن أن الموجبات تتداخل وأن ليس عليه إلا فدية فقط لموجبات متعددة لم ينفعه ظنه.
(وشرطها): أي الكفارة -أي شرط وجوبها- (في اللبس) لثوب أو خف أو غيرهما:
(الانتفاع) بما لبسه من حر أو برد بأن يلبسه مدة هي مظنة للانتفاع به (لا إن نزعه بقرب) فلا فدية عليه لعدم الانتفاع. والراجح أنه لا فدية على من لبسه في صلاة ولو رباعية إذا لم يطول فيها، وإلا فالفدية.
وأما غير اللبس كالطيب فالفدية بمجرده لأنه لا يقع إلا منتفعاً به.
(وهي) أي الفدية ثلاثة أنواع:
الأول (شاة) من ضأن أو معز (فأعلى) لحماً وفضلاً من بقر وإبل كالهدايا، وقيل: الشاة أفضل، فالبقر، فالإبل كالضحايا، ويشترط فيها من السن وغيره ما يشترط في الهدي والضحية.
والثاني ذكره بقوله: (أو إطعام ستة مساكين): من غالب قوت المحل الذي أخرجها فيه (لكل) أي لكل مسكين (مدان) بمده صلى الله عليه وسلم فالجملة ثلاثة آصع.
وذكر الثالث بقوله: (أو صيام ثلاثه أيام) مطلقاً (ولو أيام منى) أي ثاني يوم النحر وتالييه، وقيل: يمنع فيها.
(ولا تختص) الفدية بأنواعها الثلاثة (بمكان أو زمان)، فيجوز تأخيرها لبلده أو غيره في أي وقت شاء، بخلاف الهدي فإن محله منى أو مكة على ما يأتي إن شاء الله تعالى.
(و) حرم عليهما (الجماع) والإنزال (ومقدماته) ولو علم السلامة من مني ومذي.
(وأفسد) الجماع الحج والعمرة (مطلقاً) أنزل أم لا، عامداً أو ناسياً أو مكرهاً، في آدمي أو غيره، بالغاً أم لا.
(كاستدعاء مني) كما يأتي: أي أن إنزال المني مفسد مطلقاً (وإن) استدعاه (بنظر أو فكر) مستديمين
ــ
الإفاضة، فإنه في فساد الإفاضة يرجع حلالاً يفعل كل ما يفعله الحلال إلا النساء والصيد، فإذا فعل غيرهما فلا فدية عليه اتحد أو تعدد. وأجيب بحمل كلام الشارح على ما إذا خالف الواجب وطاف للإفاضة قبل الرمي، وكان طوافه بغير وضوء معتقداً الطهارة، ثم بعد تحلله فعل أموراً كل منها يوجب الفدية.
قول: [فارتكب موجبات] إلخ: أي ظاناً إباحة فعلها، أو معتقداً ذلك. وأما الشك في الإباحة فلا ينفي التعدد، ويتأتى له الشك في غير مسألة طواف الإفاضة بغير وضوء، وأما هو فلا يتأتى له شك في الإباحة بل يعتقدها أو يظنها.
قوله: [الانتفاع]: أي باعتبار العادة العامة لا باعتبار عادة بعض الأشخاص كذا في الحاشية.
قوله: [والراجح أنه لا فدية] إلخ: أي من قولين حكاهما خليل، وفي (ح) عن سند بعد ذكره القولين من رواية ابن القاسم عن مالك، قال: فرأى مرة حصول المنفعة في الصلاة، ونظر مرة إلى الترفه وهو لا يحصل إلا بالطول. قال (ح): وهذا هو التوجيه الظاهر لا ما ذكره في التوضيح من أن الصلاة هل تعد طولاً أو لا، وتبعه التتائي والمواق وغيرهما، إذ ليست الصلاة بطول لما ذكروه من أن الطول كاليوم كما في ابن الحاجب وابن شاس وغيرهما، وبهذا تعلم أن القولين جاريان سواء طول في الصلاة أم لا، خلافاً لما ذكره شارحنا تبعاً لـ (عب) والخرشي انظر (بن).
قوله: [وهي أي الفدية] إلخ: أي الواجبة لإلقاء التفث وطلب الرفاهية.
قوله: [فأعلى لحماً وفضلاً]: هذا هو الذي ارتضاه أبو الحسن في مناسكه كما في (ح) قوله: [وقيل الشاة أفضل] إلخ: هذا الذي جزم به الخرشي وغيره.
قوله: [ويشترط فيها من السن] إلخ: أي ويشترط أيضاً ذبحها بنية الفدية فلا يكفي إخراجها غير مذبوحة أو مذبوحة بغير نية الفدية.
قوله: [فالجملة ثلاثة آصع]: أي وكل صاع أربعة أمداد، وأجزأ غداء وعشاء لكل مسكين حيث بلغ الغداء والعشاء المدين، وإن كان المدان أفضل، ومثل الغداء والعشاء الغداءان والعشاءان.
قوله: [في أي وقت شاء]: أي فيجوز الصوم أو الإطعام أو الذبح في أي مكان أو زمان شاء فلا تختص بزمان كأيام منى، ولا بمكان كمكة أو منى، بخلاف الهدي فإنه يختص بهما، ومحل ذلك إلا أن ينوي بالذبح بكسر الذال بمعنى المذبوح الهدي، بأن يقلده أو يشعره فيما يقلد أو يشعر، بل قال بعضهم المعتمد أن مجرد النية كاف وإن لم يحصل تقليد ولا إشعار، فيختص بمنى إن وقف به بعرفة، وإلا فمكة والجمع فيه بين الحل والحرم، وترتيبه بأن لا ينتقل للصوم أو الإطعام إلا بعد العجز عن الذبح، وأفضلية الأكثر لحماً كذا في الأصل.
قوله: [لو علم السلامة]: الذي استظهره الأجهوري كراهة المقدمات إذا علمت السلامة كالصوم، لكن يقيد بما إذا قلت.
قوله: [مطلقاً]: أي حيث أوجب الغسل. فخرج جماع الصبي أو البالغ في غير مطيقة أو في هوى الفرج، أو مع لف من خرقة كثيفة على الذكر، والحال أنه لم ينزل فلا فساد بشيء من ذلك، وقول الأصل: بالغاً أم لا، تبع فيه (عب) وهو غير صواب، بل لا يفسده إلا الجماع الموجب للغسل كما علمت.
قوله: [كاستدعاء مني]: تشبيه في قوله: (وأفسد): أي كما يفسد الحج بالجماع، يفسد باستدعاء المني إلخ، كان الاستدعاء المذكور عمداً أو جهلاً أو نسياناً للإحرام.