للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولذا قال الأشاعرة: صفات الأفعال حادثة، (ولا بأعاهد الله) ما فعلت كذا أو لأفعلن، فليس بيمين على الأصح، لأن معاهدته تعالى ليست بصفة من صفاته، (أو لك علي عهد أو أعطيك عهداً) لأفعلن فليس بيمين، (أو عزمت عليك بالله) لتفعلن كذا فليس بيمين، بخلاف عزمت بالله أو أعزم بالله لأفعلن فيمين كما تقدم، وكذا أقسمت عليك بالله، (ولا بنحو النبي والكعبة) من كل ما عظمه الله تعالى لا ينعقد به يمين، وفي حرمة الحلف بذلك وكراهته قولان.

(وإن قصد) بحلفه (بكالعزى) من كل ما عبد من دون الله (التعظيم) من حيث إنه معبود (فكفر) وارتداد عن دين الإسلام تجري عليه أحكام المرتد، وإن لم يقصده فحرام قطعاً بلا ردة.

(ومنع) الحلف (بنحو رأس السلطان أو) رأس (فلان) كأبي وعمي، وشيخ العرب وتربة من ذكر (كهو يهودي أو نصراني أو على غير دين الإسلام أو مرتد إن فعل كذا) فيمنع ولا يرتد إن فعله، (وليستغفر الله) مطلقاً فعله أو لم يفعله لأنه ارتكب ذنباً.

(واليمين بالله) أو بصفة من صفاته على ما تقدم قسمان:

(منعقدة) وهي ما فيها الكفارة، (وغيرها) أي غير منعقدة (وهي ما لا كفارة فيها وهي) أي غير المنعقدة قسمان أيضاً: الأول (الغموس) سميت غموساً؛ لأنها تغمس صاحبها في النار أي سبب غمسه فيها ولذا لا تفيد فيها الكفارة، بل الواجب فيها التوبة. وفسرها بقوله: (بأن حلف) بالله على شيء (مع شك) منه في المحلوف عليه، (أو) مع (ظن) فيه، وأولى إن تعمد الكذب ومحل عدم الكفارة فيها: (إن تعلقت بماض) نحو: والله ما فعلت كذا أو لم يفعل زيد كذا أو لم يقع كذا، مع شكه أو ظنه في ذلك أو تعمده الكذب فإن تعلقت بمستقبل ولم يحصل المحلوف عليه كفرت، نحو: والله لآتينك غداً أو لأقضينك حقك غداً ونحو ذلك، وهو جازم بعدم ذلك أو متردد، فعلى كل حال يجب عليه الوفاء بذلك، فإن لم يوف بما حلف عليه لمانع أو غيره فالكفارة، وإن حرم عليه الحلف مع جزمه [١] أو تردده في ذلك،

ــ

للفرق بين قوله: أعزم وما قبله. حاصله: أن أعزم لما كان معناه أقصد وأهتم كان غير موضوع للقسم فاحتاج إلى التصريح بلفظ الجلالة، بخلاف ما قبله فإنه لما كان موضوعاً للقسم كانت الملاحظة كافية.

قوله: [ولذا قال الأشاعرة] إلخ: أي من أجل تجددها قالوا: إنها حادثة، لأن كل متجدد حادث. خلافاً للماتريدية فإنهم يقولون: صفة الفعل واحدة وهي قديمة يسمونها التكوين كما تقدم، فهو معنى قائم بذاته تعالى، وسبحان من لا يعلم قدره غيره ولا يبلغ الواصفون صفته.

قوله: [ليست بصفة من صفاته]: أي بل هي من صفات العبد.

قوله: [بخلاف عزمت بالله] إلخ: الفرق بينه وبين عزمت عليك بالله التصريح بعليك وعدمه، فالإتيان بعليك صيره غير يمين، ومثله في عدم اليمين قول الشخص يعلم الله فليس بيمين، وإن كان كاذباً يلزمه إثم الكذب، وقال في المجموع: وقول العامة: من أشهد الله باطلاً كفر لا صحة له إلا أن يقصد أنه يخفى عليه الواقع، وأولى في عدم لزوم اليمين الله راع أو حفيظ ومعاذ الله، وحاشى لله وإنما ترك التمثيل بها المصنف لوضوحها وإن ذكرها خليل.

قوله: [وكذا أقسمت عليك بالله]: تشبيه في انعقاد اليمين به، وإنما انعقدت به اليمين مع وجود لفظ عليك للتصريح بفعل القسم.

قوله: [قولان]: المعتمد منهما الكراهة.

قوله: [وإن لم يقصده فحرام قطعاً]: وظاهره ولو قصد به السخرية.

قوله: [ومنع الحلف]: إنما نهى عن الحلف بغير الله لعموم الأحاديث التي وردت في النهي عن ذلك، قال في المجموع: فإن توقف عليه الحلف فتحدث للناس أقضية بحسب ما يحدثون من الفجور.

قوله: [ولا يرتد إن فعله]: وكذا إن غر بهذا القول يهودية ليتزوجها فلا يعد مرتداً، وأما إن قصد الإخبار بذلك عن نفسه فردة ولو هزلاً، وأما لو قال: إن فعل كذا يكون داخلا على أهله زانياً، فمن كنايات الطلاق، واستظهر الثلاث كذا في المجموع.

قوله: [وليستغفر الله]: أي يتب إلى الله.

قوله: [واليمين بالله] إلخ: أي من حيث هي تعلقت بممكن أو غيره بدليل قوله: منعقدة وغيرها.

قوله: [بل الواجب فيها التوبة]: أي ولو كفرت كما إذا تعلقت بغير ماض.

قوله: [أو مع ظن]: أي غير قوي وإلا كان من لغو اليمين.

قوله: [كفرت]: أي وعلى كل حال تسمى غموساً.

والحاصل أن الغموس تطلق على ما قال المصنف، سواء وجبت فيها الكفارة أم لا، كما أن اللغو يطلق على ما قال المصنف، سواء وجبت فيها الكفارة أم لا.

قوله: [وهو جازم] إلخ: أي عند الحلف، وأما لو كان جازماً بالإتيان أو القضاء عند الحلف، ثم طرأ خلف الوعد فلا يقال له غموس، بل من اللغو كما يأتي، فمن الغموس الحلف على حصول أمر في المستقبل محتمل الحصول وعدمه، إلا أن يصحبه غلبة ظن فيكون من اللغو.

قوله: [يجب عليه الوفاء بذلك]: أي وتنتفي عنه الكفارة فقط.

قوله: [وإن حرم عليه] إلخ: أي فإثم الجراءة باق عليه على كل حال.


[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[١] في ط المعارف: (حزمه).

<<  <  ج: ص:  >  >>