وهو أربعة: النية، والبساط، والعرف القولي، والقصد الشرعي. وبدأ بالأول فقال:
(وخصصت نية الحالف) لفظه العام فيعمل بمقتضى التخصيص. والعام: لفظ يستغرق الصالح له بلا حصر، والتخصيص: قصره على بعض أفراده. والتعميم يكون في مدلول اللفظ وقد يكون في المكان والزمان والأحوال كما سيظهر من الأمثلة، (وقيدت) المطلق، والمطلق: ما دل على الماهية بلا قيد كاسم الجنس وهو في المعنى كالعام وتقييده كالتخصيص، فيعمل بمقتضى التقييد، (وبينت) المجمل، والمجمل: ما لم تتضح دلالته، وبيانه: إخراجه إلى حيز الاتضاح يعني أنه إذا قال: نويت به كذا عمل بنيته؛ فإذا حلف لا ألبس الجون بفتح الجيم: يطلق على الأبيض والأسود، وقال: أردت الأبيض كان له لبس الأسود. ثم لا يخلو الحال إما أن تكون النية مساوية لظاهر اللفظ، أي تحتمل إرادة ظاهر اللفظ، وتحتمل إرادتها على السواء بلا ترجيح لأحدهما على الآخر، وإما أن تكون إرادة ظاهر اللفظ أقرب في الاستعمال من إرادة النية المخالفة لظاهره، وإما أن تكون إرادة النية بعيدة عن ظاهر اللفظ شأنها عدم القصد.
(فإن ساوت) نيته (ظاهر لفظه) بأن احتمل إرادتها وعدم إرادتها على السواء بلا ترجيح لظاهر لفظه عليها (صدق مطلقاً في) اليمين (بالله وغيرها) من التعاليق (في الفتوى والقضاء)، وهو تفسير الإطلاق؛ (كحلفه لزوجته إن تزوج حياتها) أي في حياتها (فهي) أي التي يتزوجها (طالق أو عبده حر أو كل عبد يملكه) أي مملوك له حر، (أو: فعليه المشي إلى مكة، فتزوج بعد طلاقها وقال: نويت حياتها في عصمتي) وهي الآن ليست في عصمتي،
ــ
قوله: [وهو أربعة] بل خمسة والخامس العرف الفعلي على ما لابن عبد السلام خلافاً للقرافي في عدم اعتباره، وسيأتي التنبيه على ذلك، وأما المقصد اللغوي فلا يعد من المخصصات، بل أصل الحمل يكون عليه إن لم يكن مخصص من المخصصات الخمسة المذكورة.
قوله: [وخصصت نية الحالف] إلخ: أي إن كان بها تخصيص أو تقييد أو بيان، وقد تفيد التعميم كأن يحلف لا آكل لفلان طعاماً، وينوي قطع كل ما جاء من قبله لمنة فليست دائماً من المخصصات فتأمل.
قوله: [يستغرق الصالح له] أي يتناول جميع الأفراد الصالح لها ذلك اللفظ دفعة. وبهذا يخرج المطلق لأنه لا يتناول ما يصلح له دفعة، بل على سبيل البدل، فعموم العام شمولي، وعموم المطلق بدلي وصلاحية اللفظ لتلك الأفراد من جهة اندراجها في معناه الموضوع فتكون دلالة العام على أفراده دلالة كلي على جزئيات، معناه لا دلالة على أجزاء معناه.
قوله: [بلا حصر] أي حال كون الأفراد الصالح لها ذلك اللفظ غير محصورة.
قوله: [وقد يكون في المكان] إلخ: كلامه يقتضي أن عموم الزمان والمكان والأحوال ليس من مدلول اللفظ، وليس كذلك، بل قولهم في تعريف العام لفظ يستغرق الصالح له بلا حصر تعريف العام من حيث هو كان مدلوله زماناً أو مكاناً أو حالاً أو غير ذلك فتدبر.
قوله: [بلا قيد]: أي من غير تقييد لتحققها في فرد مبهم أو معين، فلذلك قال الشارح: كاسم الجنس، بخلاف النكرة فإنه ما دل على الماهية بقيد الوحدة الشائعة، أي بقيد وجودها في فرد مبهم. واعلم أن اللفظ في المطلق والنكرة واحد، ويفرق بينهما بالاعتبار، فإن اعتبر في اللفظ دلالته على الماهية بلا قيد فهو المطلق، واسم الجنس وإن اعتبر مع قيد الوحدة الشائعة سمي نكرة كما قاله ابن السبكي. اهـ. من حاشية الأصل.
قوله: [وهو في المعنى كالعام]: أي من حيث الشمول، لكن شموله بدلي أي يتناول أفراده كلها على سبيل البدلية لا دفعة بخلاف العام كما علمت.
قوله: [ما لم تتضح دلالته]: أي لم يتعين السامع مدلوله.
قوله: [فإذا حلف لا ألبس الجون] إلخ: هذا مثال للمجمل، ومثل له في الأصل بقوله: زينب طالق وله زوجتان اسم كل زينب، وقال: أردت بنت فلان وكل صحيح.
قوله: [ثم لا يخلو الحال]: دخول على كلام المصنف الآتي بعد.
قوله: [مساوية لظاهر اللفظ]: أي شأنها أن تقصد من اللفظ، وليس المراد أن اللفظ موضوع لذلك المنوي بعينه وإلا لم يكن تخصيص ولا تقييد ولا بيان.
قوله: [بلا ترجيح لأحدهما] إلخ: أي بالنظر للعرف، بأن يكون احتمال لفظ الحالف لما نواه ولغير متساويين عرفاً.
قوله: [فإن ساوت نيته] إلخ: أي عرفاً كما علمت.
قوله: [وهو تفسير الإطلاق]: أي ما ذكر من قوله بالله إلى هنا.
قوله: [إن تزوج حياتها]: هذا مثال للعام الذي خصص بالنية؛ لأن قوله حياتها مفرد مضاف يعم كل وقت من أوقات حياتها الشامل ذلك الوقت كونها معه في عصمته وغيرها، فإن أراد بحياتها كونها معه في عصمته كان قصراً للعام على بعض أفراده، وهو تخصيص له.