لأنه اعتاض هذا اليمين من حقه فصارت العبرة بنيته دون الحالف.
(ثم) إذا عدمت النية الصريحة اعتبر (بساط يمينه) في التخصيص والتقييد. (و) البساط: (هو) السبب (الحامل عليها): أي على اليمين إذ هو مظنتها، فليس فيه انتفاء النية بل هو متضمن لها. وضابطه صحة تقييد يمينه بقوله ما دام هذا الشيء أي الحامل على اليمين موجوداً (كلا) أي كحلفه: لا (أشتري لحماً أو لا أبيع في السوق لزحمة) أي لأجل وجود زحمة، (أو) وجود (ظالم) حمله على الحلف لصحة تقييد يمينه بقوله: ما دامت هذه الزحمة أو الظالم موجوداً، وكما لو كان خادم المسجد أو الحمام يؤذي إنساناً كلما دخله فقال ذلك الإنسان: والله لا أدخل هذا المسجد أو هذا الحمام، فإنه يصح أن يقيد بقوله: ما دام هذا الخادم موجوداً، فإن زال هذا الخادم جاز له الدخول وإلا حنث. وكما لو كان في طريق من الطرق ظالم يؤذي المارين بها فقال شخص: والله لا أمرّ في هذه الطريق، أي ما دام هذا الظالم فيها، وكذا لو كان فاسق بمكان فقال لزوجته: إن دخلت هذا المكان فأنت طالق، فإذا زال الفاسق منه ودخلت لم يحنث؛ لأنه في قوة قوله: ما دام هذا الفاسق موجوداً في ذلك المكان.
بخلاف ما لو سبك إنسان فحلف: لا أكلمه. أو تشاجر مع جاره فحلف: لا يدخل بيته، ونحو ذلك فليس فيه بساط.
ــ
بأن استحلف. والحاصل أنهما طريقتان: الأولى التي قالها شارحنا عدم قبول نيته إذا استحلفه صاحب الحق، والثانية: لا تقبل نيته متى حلف وإن طاع بها وهي التي اعتمدها في المجموع وحاشية الأصل والحاشية.
قوله: [لأنه اعتاض هذا اليمين من حقه]: أي كأن هذه اليمين عوض عن حقه، ويفهم منه أنه إذا لم يكن له عليه حق وحلفه فالعبرة بنية الحالف، قال الخرشي وهو كذلك في اليمين بالله اتفاقاً، وفي غيرها على أحد أقوال ستة.
قوله: [النية الصريحة]: تقييده بالصريحة إشارة إلى أن البساط نية حكمية وهو كذلك، ولذلك قال في الحاشية: هو نية حكمية.
قوله: [في التخصيص]: لا مفهوم له بل مثله التعميم كما إذا حلف لا يأكل لفلان طعاماً، وكان السبب الحامل له دفع المن فيحنث بكل ما انتفع به منه كما يأتي.
قوله: [هو السبب الحامل عليها]: هذا تعريف له باعتبار الغالب، وإلا فهو المعبر عنه في علم المعاني بالمقام وقرينة السياق، وقد لا يكون سبباً كما في بعض الأمثلة الآتية، كذا في حاشية السيد. واعلم أن البساط يجري في جميع الأيمان سواء كانت بالله أو بطلاق أو بعتق كما قال بعضهم:
يجري البساط في جميع الحلف ... وهو المثير لليمين فاعرف
إن لم يكن نوى وزال السبب ... ولبس ذا لحالف ينتسب
فقوله: في النظم: وهو المثير لليمين أي السبب الحامل عليها، وقوله: إن لم يكن نوى أي وأما لو نوى شيئاً فالعبرة بنيته، وقوله وزال السبب، أما إن لم يزل فلا ينفعه وقوله:
وليس ذا لحالف ينتسب
أي أنه يشترط في نفع البساط أن لا يكون للحالف مدخل في السبب الحامل على اليمين، كما لو تنازع مع ولده أو زوجته أو أجنبي فحلف أنه لا يدخل على من تنازع معه داراً مثلاً، ثم زال النزاع واصطلح الحالف والمحلوف عليه، فإنه يحنث بدخوله؛ لأن الحالف له مدخل في السبب، فالبساط هنا غير نافع كما أنه لا ينفع فيما نجز بالفعل، كما لو تشاجرت زوجته مع أخيه مثلاً فطلقها ثم مات أخوه فلا يرتفع الطلاق، لأن رفع الواقع محال كذا ذكره السيد البليدي، ومثل ذلك ما لو دخل على زوجته مثلاً فوجدها أفسدت شيئاً في اعتقاده فنجز طلاقها، فتبين له بعد ذلك أنه لم يفسد فليس هنا بساط وليقس.
قوله: [بل هو متضمن لها]: أي لأنه نية حكمية محفوفة بالقرائن ولذلك قال بعضهم: هو أقوى من النية الصريحة.
قوله: [فليس فيه بساط]: أي لما علمت من شرح النظم.
تنبيه: ذكر في المجموع من أمثلة البساط: من حلف ليشترين دار فلان فلم يرض بثمن مثلها، فأقوى القولين عدم الحنث كما في (ح) وكذا ليبيعن فأعطى دون ثمن المثل ا. هـ.
ومن ذلك من سمع الطبيب يقول: لحم البقر داء فحلف لا يأكل لحماً فلا يحنث بلحم الضأن، ومن ذلك لو قيل له: أنت تزكي الشهود لأجل شيء تأخذه منهم، فحلف بالطلاق إنه لا يزكي ولا نية له فلا يحنث بإخراج زكاة ماله، ومن ذلك ما إذا حلف أن زوجته لا تعتق أمتها وكانت أعتقتها قبل ذلك فلا يحنث، لأنه لو علم لم يحلف كما في البدر.
ومنها من حلف أنه ينطق بمثل ما تنطق به زوجته فقالت أنت طالق فلا يحاكيها ولا شيء عليه، ومنها ما لو حلفت زوجة أمير أنها لا تسكن بعد موته دار الإمارة، ثم تزوجت بعده أميراً آخر فأسكنها بها لم تحنث لأن بساط يمينها انحطاط درجتها بعد موته وقد زال ذلك، ومنه لو حلف بطلاق زوجته أنه لا يأكل بيضاً ثم وجد في حجر زوجته شيئاً مستوراً فقالت لا أريكه حتى تحلف بالطلاق لتأكلن منه، فحلف فإنه لا شيء عليه إذا كان الذي في حجرها بيضاً ولا يلزمه الأكل منه. اهـ. من حاشية الأصل، والعالم بالقواعد يقيس.