(فعرف قولي): أي ثم إذا لم يوجد بساط اعتبر تخصيص أو تقييد العرف القولي: أي الذي دل عليه القول؛ أي اللفظ في عرفهم فالمراد العرف الخاص: كما لو كان عرفهم استعمال الدابة في الحمار، والمملوك في الأبيض، والثوب فيما يسلك في العنق، فحلف حالف: أن لا يشتري دابة ولا مملوكاً ولا ثوباً، ولا نية له، فلا يحنث بشراء فرس ولا زنجي ولا عمامة.
(فشرعي): أي فإذا لم توجد نية ولا بساط ولا عرف قولي، فالعرف الشرعي إن كان الحالف من أهل الشرع. فمن حلف: لا يصلي في هذا الوقت أو لا يصوم أو لا يتوضأ أو لا يتطهر أو لا يتيمم حنث بالشرعي من ذلك دون اللغوي.
(وإلا) يوجد شيء من الأمور الأربعة (حنث) في صيغة الحنث، وهي: لأفعلن، أو: إن لم أفعل، (بفوات ما حلف عليه): أي يتعذر فعله نحو: والله لأدخلن الدار ولأطأن الزوجة ولألبسن الثوب، ونحو: إن لم أفعل ما ذكر فعلي كذا، فتعذر فعل المحلوف عليه (ولو لمانع شرعي كحيض) لمن حلف ليطأنها الليلة، (أو) مانع (عادي كسرقة) لثوب حلف ليلبسنه، أو حيوان حلف لأذبحنه، أو طعام حلف ليأكلنه، والموضوع أنه لا نية ولا بساط.
(لا) يحنث بمانع (عقلي: كموت) لحيوان (في) حلفه: (ليذبحنه)، وخرق ثوب في لألبسنه. ومحل عدم الحنث في العقلي: (إن لم يفرط) بأن بادر فحصل المانع قبل الإمكان. فإن أمكنه الفعل وفرط حتى حصل المانع حنث.
(و) حنث (بالعزم على الضد): أي ترك ما حلف عليه بأن عزم على عدم الدخول أو الوطء أو اللبس في الأمثلة المتقدمة وتجب الكفارة في اليمين بالله،
ــ
قوله: [فعرف قولي]: احترز به عن الفعلي، فإنه قد اختلف فيه، فقال القرافي: لا يعتبر تخصيصه، وقال ابن عبد السلام باعتباره كما إذا حلف لا يأكل خبزاً وكان بلد الحالف لا يأكلون إلا خبز الشعير فأكل الشعير عندهم عرف فعلي فلا يحنث بأكل خبز القمح على ما لابن عبد السلام فيكون مقدماً على العرف القولي.
قوله: [فشرعي]: أي فيقدم على المقصد اللغوي على الراجح كما في نقل المواق عن سحنون، خلافاً لخليل حيث قدم اللغوي عليه.
قوله: [دون اللغوي]: أي فلا يحنث بالصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولا بغسل اليدين إلى الكوعين مثلاً.
قوله: [من الأمور الأربعة]: أي أو الخمسة على اعتبار الفعلي ولم يذكر اللغوي؛ لأنه أصل وضع اللفظ، فليس فيه تخصيص ولا تعميم فالحمل عليه أصل عند الإطلاق عن المخصصات وعدم القرائن كما تقدم.
قوله: [ولو لمانع شرعي]: أي هذا إذا كان الفوات لغير مانع بأن تركه اختياراً، بل ولو لمانع شرعي إلخ، ورد (لو) في الشرعي على ابن القاسم في مسألة الحيض، وعلى سحنون في مسألة من حلف ليطأن أمته فباعها الحاكم عليه لفلسه، وفي العادي على ما نقل عن أشهب من عدم الحنث.
قوله: [والموضوع أنه لا نية ولا بساط] أي ولا تقييد بأن أطلق في يمينه. ولم يقيد بإمكان الفعل ولا بعدمه، وأولى لو قال: لأفعلنه قدرت على الفعل أو لا، أما إن قيد بإمكان الفعل فلا حنث بفواته في المانع الشرعي والعادي اتفاقاً.
قوله: [لا يحنث بمانع عقلي]: من جملة أمثلته ما إذا حلف ضيف على رب منزل أنه لا يذبح له فتبين أنه ذبح له، أو حلف الرجل ليفتضن زوجته بذكره مثلاً فوجد عذرتها سقطت، فلا حنث؛ لأن رفع الواقع وتحصيل الحاصل محال عقلاً كذا في حاشية الأصل.
قوله: [فإن أمكنه الفعل] إلخ: الحاصل أن المحلوف عليه إذا فات بمانع عقلي، إما أن يكون الحالف عين وقتاً لفعله أو لا، فإن كان وقت وفات المحلوف عليه في ذلك الوقت لم يحنث، وظاهر كلامهم ولو فرط وإن كان لم يؤقت فلا حنث إن حصل المانع عقبه، أو تأخر بلا تفريط، فإن فرط مع التأخير حنث وقد نظم الأجهوري هذا المبحث بقوله:
إذا فات محلوف عليه لمانع ... فإن كان شرعياً فحنثه مطلقا
كعقلي أو عادي إن يتأخرا ... وفرط حتى فات دام لك البقا
وإن أقت أو كان منه تبادر ... فحنثه بالعادي لا غير مطلقا
وإن كان كل قد تقدم منهما ... فلا حنث في حال فخذه محققا
قال في الحاشية: وحاصل ما في المقام أربعة وعشرون صورة، وذلك أنك تقول: يحنث بالمانع الشرعي تقدم أو تأخر، أقت أم لا، فرط أم لا، فهذه ثمانية ولا حنث بالمانع العقلي إذا تقدم أقت أم لا فرط أم لا فهذه أربع، وأما إذا تأخر فلا حنث في ثلاث وهي ما إذا أقت فرط أم لا، أو لم يؤقت ولم يفرط، فإذا لم يؤقت وفرط فيحنث؛ وأما المانع العادي فلا حنث بالمتقدم فرط أم لا أقت أم لا فهذه أربع، ويحنث بالمتأخر أقت أم لا فرط أم لا، ولا يخفى ما في هذا التقسيم من التسامح ألا ترى أنه إذا كان المنع متقدماً على اليمين فلا يتأتى تفريط ا. هـ.
قوله: [حنث]: ظاهره أقت أم لا وهو وجيه ولكن تقدم عن الحاشية أنه مخصوص بما إذا لم يكن مؤقتاً.
قوله: [وحنث بالعزم على الضد] ظاهره تحتم الحنث بذلك وهو طريقة ابن المواز وابن شاس وابن الحاجب والقرافي، وقال غيرهم: غاية ما في المدونة أن الحالف بصيغة الحنث المطلق له تحنيث نفسه بالعزم على الضد ويكفر ولا يتحتم الحنث