للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل في بيان النذر وأحكامه

(النذر التزام مسلم) لا كافر (مكلف) لا صغير ومجنون ومكره (قربة) مقصوداً بها التقرب بلا تعليق نحو: لله علي عتق عبد أو صوم يوم أو شهر، بل (ولو بالتعليق) على معصية (أو غضبان) فأولى على غير معصية، وغير غضبان.

والفرق بينه وبين اليمين ذات التعليق: أن النذر يقصد به التقرب واليمين يقصد به الامتناع من المعلق عليه أو الحث على فعله أو تحقق وقوعه على ما تقدم، بخلاف النذر. ولذا يصح في اليمين إن تقدم قسماً بالله؛ فتقول في البر: والله لا أدخل الدار وإن دخلتها يلزمني كذا، والمقصود الامتناع من دخولها، وتقول في الحنث: والله لأدخلن الدار وإن لم أدخل يلزمني كذا، والمقصود طلب الدخول، وتقول في بيان تحقق الشيء: والله لقد قام زيد وإن لم يكن قام يلزمني كذا، بخلاف قولك: إن شفى الله مريضي فعلي كذا، فإنه لا يصلح لتقديم يمين إلا على وجه التبرك أو توكيد الكلام فتأمل.

ومثل لما قبل المبالغة وهو ما لا تعليق فيه بقوله: (كـ لله علي) ضحية أو صوم يوم (أو علي ضحية) أو صوم يوم بحذف "لله"، والقصد الإنشاء لا الإخبار. ومثل لما بعد لو وهو التعليق بقوله: (أو: إن حججت) فعلي صوم شهر أو شهر كذا وحصل الحج المعلق عليه طاعة، (أو): إن (شفى الله مريضي) فعلي صوم شهر، المعلق عليه فعلي لله، (أو) إن (جاءني زيد) فعلي الصوم شهر المعلق عليه فعل العبد المرغوب فيه، (أو) إن (قتلته فعلي صوم شهر أو شهر كذا فحصل) المعلق عليه فيلزمه المعلق، والمعلق عليه في هذا معصية يرغب في حصولها، فإن كان مقصوده الامتناع منه فيمين لا نذر كما علمت. وما صدر من الغضبان جعله الشيخ من النذر وجعله غيره من اليمين وهو الأظهر.

ــ

فصل في بيان النذر وأحكامه

النذر يجمع على نذور وعلى نذر بضمتين يقال: نذرت أنذر بفتح الذال في الماضي وكسرها وضمها في المضارع، ومعناه لغة: الالتزام، واصطلاحاً: هو ما ذكره المصنف بقول التزام مسلم إلخ. وأركانه ثلاثة: الشخص الملتزم وأفاده بقوله: التزام مسلم مكلف، والشيء الملتزم وأفاده بقوله: قربة، والصيغة وأفادها بقوله: كلله علي أو علي ضحية إلخ.

قوله: [لا كافر]: أي يلزمه الوفاء به ولو أسلم به لكن يندب بعد الإسلام.

قوله: [لا صغير] ولكن: يندب الوفاء بعد البلوغ وشمل المكلف الرقيق فيلزمه الوفاء مما أنذره مالاً أو غيره إن عتق.

وحاصل ما لابن عرفة في الرقيق: أنه إذا نذر ما يتعلق بجسده من صلاة أو صوم، فإن لم يضر بالسيد لم يمنعه من تعجيله، وإن أضر به فله المنع ويبقى في ذمته، وإن نذر مالاً كان للسيد منعه الوفاء به ما دام رقيقاً، فإن عتق وجب عليه الوفاء بما نذر، فإن رده السيد وأبطله لم يلزمه كما في كتاب العتق من المدونة خلافاً لما في كتاب الاعتكاف منها. اهـ من حاشية الأصل. وشمل المكلف أيضاً السفيه فيلزمه غير المال، وأما المال فللولي إبطاله لأن رد فعل السفيه إبطال كالسيد في عبده. وشمل أيضاً الزوجة والمريض فيجب عليهما الوفاء بما نذراه إذا كان غير مال أو مالاً ولم يزد على الثلث، فإن زاد كان للزوج رد الجميع وللوارث رد ما زاد، واختلف في رد الزوج فقيل: رد إبطال، وقيل رد إيقاف، وأما رد الوارث فهو رد إيقاف كالغريم، ورد القاضي بمنزلة من ناب عنه وجمع بعضهم هذا المعنى في بيتين فقال:

أبطل صنيع العبد والسفيه ... برد مولاه ومن يليه

وأوقفن فعل الغريم واختلف ... في الزوج والقاضي كمبدل عرف

وسيأتي بيان ذلك في آخر الكتاب مفصلاً إن شاء الله تعالى.

قوله: [بل ولو بالتعليق على معصية] أي فالمدار على أن المعلق عليه قربة كان المعلق عليه قربة أم لا.

قوله: [أو غضبان] ومنه نذر اللجاج؛ وهو أن يقصد منع نفسه من شيء ومعاقبتها نحو: لله علي كذا إن كلمت زيداً وهذا من أقسام اليمين عند ابن عرفة، وعلى كل حال يلزمه ما التزمه، فالحلف لفظي خلافاً لليث وجماعة القائلين إن فيه وفي اللجاج كفارة يمين، وقد أفتى ابن القاسم ولده عبد الصمد بهذا القول وكان حلف بالمشي إلى مكة، فحنث وقال له: إني أفتيتك بقول الليث، فإن عدت لم أفتك إلا بقول مالك.

قوله: [والفرق بينه] إلخ: هذا الفرق الذي قاله الشارح يؤيد أن نذر اللجاج والغضب من اليمين، وقد تقدم له عده من أقسام اليمين فمبالغته عليه هنا، وإدخاله في النذر تكلف وتناقض لاختياره أولا طريقة ابن عرفة، وهنا طريقة غيره، فتدبر، وسيأتي له الاستدراك على ذلك.

قوله: [ك: لله علي ضحية]: أتى بكاف التمثيل إشارة إلى عدم انحصار الصيغة، بل يلزم بكل لفظ فيه التزام مندوب، ومثل بقوله [ضحية] رداً على من يقول: إن الضحية لا تجب بالنذر، قال (بن): الحق أن الضحية تجب بالنذر في الشاة المعينة وغيرها، لكن معنى وجوبها بالنذر في المعينة منع البيع والبدل فيها بعده لا أن الوجوب باعتبار العيب الطارئ بعد النذر؛ لأنه يمنع الإجزاء فيها، وقولهم: إنها لا تجب بالنذر المنفي وجوب تعيين يؤدي إلى إلغاء العيب الطارئ انتهى وقد تقدم ذلك في باب الضحية مبيناً.

قوله: [أو صوم يوم] ومثله من نذر صوم بعض

<<  <  ج: ص:  >  >>