فيرجع له، والنصف الثاني للزوجة.
(و) رجع (جميعه) أي الصداق لمن ذكر (بالفساد): أي بالفسخ قبل الدخول لفساده، فإن دخل فلها المسمى (ولا رجوع لهم) أي للأب وذي القدر والضامن لابنته صداقها (على الزوج) بما استحقته الزوجة من النصف قبل الدخول أو الكل بعده، لأنهم إنما التزموه ليكون عليهم تبرعاً منهم للزوج (إلا أن يصرح) الواحد منهم (بالحمالة) كعليَّ حمالة الصداق؛ لأن لفظ الحمالة يؤذن بمجرد التحمل دون التزامه في الذمة (مطلقاً) كان قبل العقد أو حاله أو بعده (أو يضمن) الواحد منهم (بعد العقد) فيرجع على الزوج لا قبله أو معه، (إلا لقرينة أو عرف) فيعمل بمقتضاهما كالشرط.
ثم شرع يتكلم على الكفاءة المطلوبة في النكاح فقال: (والكفاءة) وهي لغة: المماثلة والمقاربة، والمراد بها المماثلة في ثلاثة أمور على المذهب: الحال، والدين، والحرية، وزاد بعضهم: النسب، والحسب احترازاً من الموالي ونحوهم، والمال احترازاً من الفقير، والراجح أن هذه الثلاثة لا تعتبر فيها، ولذا قال: (الدين) أي التدين أي كونه ذا ديانة احترازاً من أهل الفسوق كالزناة والشريبين ونحوهم (والحال): أي السلامة من العيوب الموجبة للرد، لا بمعنى الحسب والنسب بدليل ما يأتي بعده (كالحرية على الأوجه) من القولين وهو قول المغيرة وسحنون، قال في التوضيح: وهو الصحيح، ورجحه اللخمي وغيره لخبر بريرة حين عتقت فخيرها النبي صلى الله عليه وسلم، وبأنه لا خلاف في العبد يتزوج الحرة من غير علمها أن ذلك عيب يوجب الرد، والمقابل له قول ابن القاسم أن الحرية لا تعتبر في الكفاءة لكنه ظاهر كلامه، وليس بنص في ذلك، حتى قال بعضهم: إن كلام ابن القاسم لا يخالف قول المغيرة، فكان الأولى للشيخ أن يقتصر عليه ولا يذكر التأويلين فيه، وقال بعضهم: ذكر التأويلين لكون المقابل قول ابن القاسم وإلا فهو مرجوح في الغاية، وقولنا: "على الأوجه" فيه مسامحة؛ لأنه يقتضي أن المقابل له وجه ولا وجه له وغاية ما يجاب أن هذه صيغة قصد بها الترجيح لا التفاضل.
(ولها): أي للزوجة (وللولي تركها): أي الكفاءة والرضا بعدمها، والتزويج بفاسق أو معيوب أو عبد، فإن لم يرضيا معاً فالقول لمن امتنع منهما وعلى الحاكم منع من رضي منهما. وليس للأب جبر البكر على فاسق أو ذي عيب فإن تزوجها الفاسق أو ذو العيب أو العبد فلها وللولي الرد والفسخ.
ــ
قوله: [فيرجع على الزوج]: حاصله أن الدافع إما أن يصرح بلفظ الحمالة أو الحمل أو الضمان، وفي كل إما قبل العقد أو بعده أو فيه، فالتصريح بالحمالة يرجع به مطلقاً والتصريح بالضمان إن كان قبل العقد أو فيه لم يرجع وإن كان بعده رجع، وأما الحمل فيلزمه مطلقاً ولا رجوع له، ومثل الحمل ما إذا قال له: أنا أدفع صداقك أو أدفع الصداق عنك، وقد نظم أبو علي المسناوي هذه المسألة بقوله:
انف رجوعاً عند حمل مطلقاً ... حمالة بعكس ذا محققاً
لفظ ضمان عند عقد لا ارتجاع ... وبعده حمالة بلا نزاع
وكل ما التزم بعد عقد ... فشرطه الحوز فافهم قصدي
اهـ. من حاشية الأصل.
تنبيهان:
الأول: إن لم يدفع الصداق الملتزم له فلها الامتناع من الدخول والوطء بعده حتى تأخذ الحال أصالة أو بعد أجله، وللزوج الترك بأن يطلق، ولا شيء عليه في نكاح التفويض أو في نكاح التسمية حيث لا يرجع المتحمل به على الزوج، وأما ما فيه رجوع عليه وهو ما إذا صرح بالحمالة مطلقاً أو كان بلفظ الضمان ووقع بعد العقد فإنه إن أطلق غرم لها نصف الصداق وإن دخل غرم الجميع.
الثاني: يبطل الضمان على وجه الحمل إن تحمل في مرضه المخوف عن وارث، لأنه وصية لوارث أو عطية في المرض لا إن تحمل عن زوج ابنة غير وارث لأنه وصية لغير وارث له فيجوز في الثلث، فإن زاد عليه ولم يجزه الوارث خير الزوج بين أن يدفعه من ماله أو يترك النكاح ولا شيء عليه اهـ من الأصل.
قوله: [والراجح أن هذه الثلاثة] إلخ: الحاصل أن الأوصاف التي اعتبروها وفاقاً وخلافاً ستة أشار لها بعضهم بقوله:
نسب ودين صنعة حرية ... فقد العيوب وفي اليسار تردد
فإن ساواها الرجل في تلك الستة فلا خلاف في كفاءته وإلا فلا، واقتصر المصنف على ثلاثة منها وهي المماثلة في الدين والحال والحرية ولا يشترط فيها المماثلة في غير ذلك على المعتمد فمتى ساواها الرجل في تلك الثلاثة كان كفؤاً.
قوله: [لا بمعنى الحسب] إلخ: الحسب ما يعد من مفاخر الآباء كالكرم والعلم.
قوله: [لخبر بريرة]: وهي جارية عائشة وكانت متزوجة بمغيث وكان عبداً.
قوله: [حين عتقت]: أي أعتقتها عائشة والحال أن زوجها باق على الرق.
قوله: [والتزويج بفاسق]: أي وذلك لأن الحق لهما في الكفاءة، فإذا أسقطا حقهما منها وزوجها فاسق كان النكاح صحيحاً على المعتمد.