للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد يحرم كما لو علم أنه إن طلقها وقع في الحرام كالزنا ولا قدرة له على زواج غيرها.

والطلاق من حيث هو قسمان: سني وبدعي (والسني): ما استوفى شروطاً خمسة أشار لها بقوله: (واحدة) لا أكثر (كاملة) لا بعض طلقة كنصف طلقة (بطهر) لا في حيض أو نفاس (لم يمس) أي لم يطأها (فيه) أي في الطهر الذي طلق فيه (بلا عدة) أي من غير أن يوقعه عليها في عدتها من رجعي قبل هذا وبقي شرط سادس: وهو أن يوقعه على جملة المرأة لا على بعضها كيدها.

(وإلا) بأن انتفت هذه الشروط أو بعضها بأن أوقع أكثر من واحدة، أو بعض طلقة أو في حيض، أو نفاس أو في طهر مسها فيه، أو أردف أخرى في عدة رجعي (فبدعي) كما لو أوقعها على بعض المرأة.

والبدعي إما مكروه وإما حرام كما قال: (وكره) البدعي (إن كان) وقوعه (بغير حيض ونفاس)، وظاهره ولو أوقع ثلاثاً، وقال اللخمي: إيقاع اثنتين مكروه، وثلاثة ممنوع ونحوه في المقدمات، وعبر في المدونة بالكراهة، لكن قال الرجراجي: مراده بالكراهة التحريم.

والإجماع على لزوم الثلاث إذا أوقعها في لفظ واحد نقله ابن عبد البر وغيره، ونقل بعضهم عن بعض المبتدعة: أنه يلزمه طلقة واحدة، واشتهر ذلك عن ابن تيمية، قال بعض أئمة الشافعية: ابن تيمية ضال مضل، أي لأنه خرق الإجماع وسلك مسالك الابتداع، وبعض الفسقة نسبه إلى الإمام أشهب، فيضل به الناس، وقد كذب وافترى على هذا الإمام، لما علمت من أن ابن عبد البر وهو الإمام المحيط نقل الإجماع على لزوم الثلاث، وأن بعضهم نقل لزوم الواحدة عن بعض المبتدعة.

(وإلا) بأن طلق في الحيض أو النفاس (منع ووقع، وإن طلبته) المرأة من زوجها في حيضها أو نفاسها، (أو خالعت) زوجها فيه (وأجبر) الزوج (على الرجعة) إذا كان رجعياً ويستمر الجبر (لآخر العدة) فإن خرجت من العدة بانت، وقال أشهب: يجبر ما لم تطهر من الحيضة الثانية لأنه عليه الصلاة والسلام أباح في هذه الحالة طلاقها فلا معنى لإجباره في هذه الحالة، والأمر بارتجاعها حق لله فيجبره الحاكم، (وإن لم تقم) المرأة (بحقها) في الرجعة (فإن أبى) من الرجعة (هدد بالسجن، ثم) إن أبى (سجن) بالفعل، (ثم) إن أبى هدد (بالضرب، ثم) إن أبى (ضرب) بالفعل يفعل ذلك كله (بمجلس) واحد، (فإن أبى) من [١] الارتجاع (ارتجع الحاكم) بأن يقول: ارتجعتها لك (وجاز به): أي بارتجاع الحاكم (الوطء والتوارث) وإن لم ينوها الزوج لأن نية الحاكم قائمة مقام نيته.

(والأحب) لمن راجع المطلقة في الحيض طوعاً أو كرهاً وأراد مفارقتها (إمساكها حتى تطهر) فيطأها (فتحيض فتطهر) بعده (ثم إن شاء طلق) قبل أن يمسها ليكون سنياً، وإنما طلب منه عدم طلاقها في الطهر الذي يلي الحيض الذي طلق فيه، لأن الارتجاع جعل للصلح، وهو إنما يتم بالوطء بعد الحيض، فقد مسها في ذلك الطهر، فإذا حاضت منع الطلاق، فإذا طهرت فله الطلاق قبل الوطء ومنع طلاق الحائض قيل: تعبدي، أي غير معلل بعلة، والأصح أنه معلل بتطويل العدة لأن أولها يبتدئ من الطهر بعد الحيض، فأيام الحيض الذي طلق فيه لغو لم تحسب من العدة، فليست هي فيها زوجة ولا معتدة، وينبني على ذلك قوله: (وجاز طلاق الحامل) في الحيض؛ لأن عدتها وضع حملها فلا تطويل فيها.

(و) جاز طلاق (غير المدخول بها فيه): أي في الحيض لعدم العدة من أصلها.

ــ

وجوب طلاقها عند الإنفاق عليها من حرام ما لم يخش بفراقها الزنا، وإلا فلا يجب عليه طلاق ويقتصد مهما أمكن.

قوله: [كما لو علم أنه إن طلقها] إلخ: ظاهره ولو لزم عليه الإنفاق عليها من حرام كما علمت، بقي أنه لم يذكر حكم الكراهة وهو إذا طلقها قطع عن عبادة مندوبة ككونها معينة له على طلب العلم المندوب.

قوله: [سني]: أي أذنت السنة في فعله، سواء كان راجحاً أو خلاف الأولى أو حراماً لا راجح الفعل فقط، كما قد يتوهم من إضافته للسنة، فلذلك كانت تعتريه الأحكام، وإن كان سنياً.

قوله: [فإن انتفت هذه الشروط]: لا يتأتى ذلك دفعة لأن البدعي يكون في الحيض، وفي طهر مسها فيه، ومحل اجتماعهما، فالمناسب أن يقتصر على قوله أو بعضها.

قوله: [وظاهره ولو أوقع ثلاثاً]: ظاهره أيضاً ولو أوقعها على جزء المرأة وليس كذلك، بل هو حرام كالواقع في الحيض بدليل تأديبه عليه كما يأتي.

قوله: [منع]: أي إذا كان بعد الدخول وهي غير حامل بدليل ما يأتي.

قوله: [إذا كان رجعياً]: أي لا بائناً ولو طلقة واحدة كما إذا كانت في خلع.

قوله: [أباح في هذه الحالة طلاقها]: أي طلاق المرأة التي طلقها زوجها في الحيض.

قوله: [ضرب بالفعل]: ينبغي أن يقيد الضرب بظن الإفادة كما تقدم في ضربها عند النشوز.

قوله: [فإن أبى الارتجاع ارتجع الحاكم]: فإن ارتجع الحاكم قبل فعل شيء من هذه الأمور صح إن علم أنه لا يرتجع من فعلها، وإلا لم يصح والظاهر وجوب الترتيب، وأنه إن فعلها كلها من غير ترتيب ثم ارتجع مع إباء المطلق صحت الرجعة قطعاً.

قوله: [والأحب لمن راجع المطلقة]: الاستحباب منصب على المجموع فلا ينافي وجوب الإمساك في حالة الحيض.

قوله: [وإنما طلب منه عدم طلاقها] إلخ: أي فطلاقها في ذلك الطهر مكروه ولا يجبر على الرجعة، سواء مسها قبل الطلاق أو لا.

قوله: [قيل تعبدي]: أي لمنع الخلع وعدم الجواز، وإن رضيت وجبره على الرجعة وإن لم تقم كما قال خليل.


[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[١] ليست في ط المعارف.

<<  <  ج: ص:  >  >>