للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأكل وشرب وركوب ولبس، (وانتظر) حصول المحلوف عليه، فإن حصل لزم الطلاق وإلا فلا ويحنث في يمين الحنث نحو: إن لم أدخل الدار فطالق بالعزم على الضد إلى آخر ما تقدم في الأيمان، وإذا قلنا: "لا حنث وينتظر" فلا يخلو الحال من أن تكون يمينه مثبتة أي يمين بر، أو نافية أي يمين حنث، ويمين الحنث إما مؤجلة بأجل أو مطلقة، فإن كانت يمين بر أو حنث مقيدة بأجل لم يمنع منها وإلا منع وإلى هذا أشار بقوله: (ولا يمنع منها) أي من الزوجة (إن أثبت) في يمينه بأن كانت يمين بر (كإن دخلت أو إن قدم زيد أو إن شاء زيد) فأنت طالق، بل له أن يسترسل عليها حتى يدخل أو حتى يشاء زيد، فإن شاء الطلاق طلقت، وإن شاء عدمه لم تطلق كما إذا لم يعلم مشيئته، كما لو مات زيد قبل أن يشاء أو بعد أن شاء ولم يعلم، ومثل إن شاء زيد إلا أن يشاء.

(وإن نفى) بأن كانت يمينه صيغة حنث نحو إن لم أدخل الدار فأنت طالق، وفي قوته: عليه الطلاق ليدخلن الدار، فإنه في قوة: إن لم أدخلها فهي طالق، (ولم يؤجل) بأجل معين بل أطلق في يمينه -كما مثلنا- (منع منها) أي من الزوجة، فلا يجوز له الاستمتاع حتى يفعل المحلوف عليه (وضرب له أجل الإيلاء) من يوم الرفع (إن قامت) الزوجة (عليه)، بأن طلبت حقها من الاستمتاع، فإن أجل بأجل، نحو: إن لم أدخل في هذا الشهر أو شهر كذا فلا يمنع منها حتى يضيق الوقت بقدر ما يسع المحلوف عليه من آخر الأجل، فيمنع حتى يفعل المحلوف عليه أو يحنث، ومحل منعه إذا لم يؤجل أو أجل وضاق الوقت (إلا) أن يكون بره في وطئها، كما لو حلف (إن لم أحبلها أو) إن (لم أطأها) فهي طالق فلا يمنع لأن بره في وطئها، ومحله في إن لم أحبلها إن كان يتوقع حملها فإن أيس منه -ولو من جهته- نجز طلاقها.

ومحل ضرب أجل الإيلاء في صيغة الحنث (إن حلف على فعل نفسه، كإن لم أفعل) كذا فهي طالق كما تقدم (وإلا) يحلف على فعل نفسه بل على فعل غيره نحو: إن لم يدخل زيد أو إن لم تدخلي الدار فأنت طالق (تلوم له بالاجتهاد) من الحاكم (على ما يدل عليه البساط): أي القرائن الدالة على الزمن الذي أراده بيمينه، ولا يضرب له أجل الإيلاء (على الأرجح) من القولين اللذين ذكرهما الشيخ، والثاني: أنه لا فرق بين حلفه على فعل نفسه أو فعل غيره في ضرب أجل الإيلاء، فالخلاف إنما هو في أجل الإيلاء، وأما المنع من وطئها فهو على كل من القولين لنص ابن القاسم في المدونة في كتاب العتق على المنع من الوطء مع التلوم، فالقول بعدم المنع ضعيف (وطلق عليه) بعد أجل التلوم ومثل لفعل الغير بقوله: (كإن لم تفعلي) أو إن لم يفعل زيد فأنت طالق.

(ولو قال) الحالف (إن لم أحج) فأنت طالق (وليس) الوقت (وقت سفر) للحج كما لو حلف المصري بذلك في شهر رجب، (انتظر ولا منع) من وطئها (حتى يأتي الإبان) أي وقت السفر المعتاد للحالف وهو للمصري شوال، فإن سافر للحج بر وإلا حنث ومثله كل سفر له وقت معين لا يمكن السفر قبله عادة (على الأوجه) عند ابن عبد السلام قال: لأن الأيمان إنما تحمل على المقاصد، ولا يقصد أحد الحج في غير وقته المعتاد، فإن قيد بقوله في هذا العام فاتفقوا على أنه لا يمنع منها إلا إذا جاء وقت الخروج (وإن قال: إن لم أطلقك فأنت طالق) نجز عليه الطلاق وكثيراً ما يقع هذا من العوام بلفظ علي الطلاق لأطلقنك، (أو) قال: (إن لم أطلقك رأس الشهر ألبتة فأنت طالق رأس الشهر ألبتة، أو) أنت طالق

(الآن، نجز عليه) الطلاق في الحال (كأنت طالق الآن إن كلمته في غد، وكلمه فيه): أي في الغد فينجز عليه حال كلامه له في الغد، ويعد لفظ "الآن" لغواً، فكذلك يلغى لفظ الآن قبله وينجز عليه في الحال وكأنه قال: إن لم أطلقك رأس الشهر ألبتة فأنت طالق ألبتة، فلا بد من التنجيز

ــ

بمنع النكاح لأجل وجواز العتق له.

قوله: [وأكل وشرب]: أي معينين أو خصهما بزمن يمكن الصبر فيه عادة وإلا نجز عليه، لأنه مما لا يمكن الصبر عنه عادة، ويجري في الركوب واللبس ما جرى في الأكل والشرب.

قوله: [مقيدة بأجل]: أي معين بدليل ما يأتي.

قوله: [بل أطلق في يمينه]: أي أو أجل بأجل مجهول كما إذ قال لها، إن لم أفعل الشيء الفلاني قبل قدوم زيد أو قبل أن تمطر السماء مثلاً، ولم يعلم وقت قدومه.

قوله: [منع منها]: فإن تعدى ووطئها لم يلزمها استبراء، لأن المنع ليس لخلل في موجب الوطء، وقول المدونة في كتاب الاستبراء. كل وطء فاسد لا يطأ فيه حتى يستبرئ يريد فاسداً لسبب حليته الذي هو العقد لخلل فيه، ألا ترى لوطء المحرمة والمعتكفة الصائمة فإنه لا استبراء فيه ويلحق به الولد.

قوله: [فلا يمنع لأن بره في وطئها]: فإن امتنع من وطئها كان لها أن ترفع أمرها للقاضي، يضرب لها أجل الإيلاء عند مالك والليث، لا عند ابن القاسم وهو الأقرب، وعليه إن تضررت بترك الوطء طلق عليه بدون ضرب أجل.

قوله: [وإلا حنث]: أي ما لم يمنع مانع والحال أن العام غير معين، وأما في المعين فينجز متى فات وقته لأن الإكراه في صيغة الحنث لا ينفع.

قوله: [ومثله كل سفر له وقت معين]: اعلم أن هذا الخلاف كما يجري فيما إذا كان للمعلق عليه وقت معين لا يتمكن من فعله قبله عادة، يجري فيما إذا كان حلف على فعل شيء أو الخروج لبلد، وكان لا يمكنه ذلك بأن قال علي الطلاق لأسافرن لمصر مثلاً ولم يمكنه السفر لفساد طريق، أو غلو كراء، أو قال عليه الطلاق لأشتكين زيدا للحاكم ولم يوجد حاكم يشتكي له، وقد علمت أن المعتمد أنه لا يمنع من الزوجة إلا إذا تمكن من الفعل بأن تمكن من السفر أو تيسر الحاكم.

قوله: [فاتفقوا على أنه لا يمنع منها]: أي ولا ينجز

<<  <  ج: ص:  >  >>