للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سواء فعل المتقدم في اللفظ أو لا أو أخر أو فعلهما معاً فيما يمكن فيه الجمع في آن واحد، ولا يرد على هذا ما تقدم في اليمين من التحنيث بالبعض، وقال ابن رشد: لم يختلف قول مالك ولا قول أحد من أصحابه -فيما علمت- أن من حلف ألا يفعل فعلين ففعل أحدهما، أو لا يفعل فعلاً ففعل بعضه أنه حانث من أجل أن ما فعله من ذلك قد حلف أن لا يفعله إذ هو بعض المحلوف عليه. انتهى؛ لأن ما تقدم إما لا تعليق فيه أصلاً كاليمين بالله أو فيه تعليق واحد، وهنا فيه تعليق التعليق، والمعلق لا يقع إلا بوقوع المعلق عليه، والمعلق عليه هنا مجموع الأمرين معاً، كأنه قال: إن حصل الأمر فأنت طالق، وفي المسألة نزاع طويل بين الفقهاء والنحاة.

(ولا تمكنه) المطلقة أي لا يجوز لها أن تمكنه من نفسها (إن علمت بينونتها) منه، (ولا بينة) لها تقيمها عند حاكم أو جماعة المسلمين ليفرقوا بينهما (ولا تتزين): أي يحرم عليها الزينة (إلا) إذا كانت (مكرهة) بالقتل، (وتخلصت منه) وجوباً (بما أمكن) من فداء أو هروب.

(وفي جواز قتلها له عند محاورتها) للوطء (إن كان لا يندفع) عنها (إلا به) أي بالقتل، فإن أمكن دفعه بغيره فلا يجوز قولاً واحداً وعدم جوازه (قولان).

فصل في ذكر تفويض الزوج الطلاق لغيره من زوجة أو غيرها

والتفويض كالجنس تحته ثلاثة أنواع: التوكيل، والتخيير، والتمليك: فالتوكيل: جعل إنشاء الطلاق لغيره باقياً منع الزوج منه، كما قال ابن عرفة: أي لأن الموكل له عزل وكيله متى شاء لأن الوكيل يفعل ما وكل فيه نيابة عن موكله. والتخيير: جعل إنشاء الطلاق ثلاثاً -صريحا أو حكماً- حقاً لغيره، مثال الحكمي: اختاريني أو اختاري نفسك، والتمليك: جعل إنشائه حقاً لغيره راجحاً في الثلاث ومن صيغه: جعلت أمرك أو طلاقك بيدك، قال بعضهم: والفرق بين التخيير والتمليك أمر عرفي لا دخل للغة فيه، فقولهم في المشهور الآتي: إن للزوج البقاء على العصمة والذهاب لمناكرة المملكة دون المخيرة، إنما نشأ من العرف وعلى هذا ينعكس الحكم بانعكاس العرف، وقال القرافي ما حاصله: إن مالكاً رحمه الله بنى ذلك على عادة كانت في زمانه أوجبت نقل اللفظ عن مسماه اللغوي إلى هذا المفهوم، فصار صريحاً فيه أي في الطلاق، أي وليس من الكنايات كما قاله الأئمة الثلاثة [١].

قال: وهذا هو الذي يتجه وهو سر الفرق بين التخيير والتمليك، غير أنه يلزم عليه بطلان هذا الحكم اليوم

ــ

الثاني على الفعل، وإلا فلا حنث على واحد.

قوله: [سواء فعل المتقدم في اللفظ أو لا] إلخ: وجه هذا التعميم أن الجواب يحتمل أن يكون للثاني، والثاني وجوابه جواب للأول، ويحتمل أن يكون جواباً للأول والمجموع دليل جواب الثاني، وحينئذ فلا يحنث إلا بالأمرين احتياطاً فعلهما على الترتيب في التعليق أو لا، وقال الشافعي لا يحنث إلا إذا فعلهما على عكس الترتيب في التعليق، لأن قوله: فأنت طالق جواب في المعنى عن الأول، فيكون في النية إلى جانبه ويكون ذلك المجموع دليل جواب الثاني، فيكون في النية بعده، فمحصله أنه جعل الطلاق معلقاً على الكلام، وجعل الطلاق بالكلام معلقاً على الدخول، فلا بد في الطلاق بالكلام من حصول الدخول أولاً فتأمل.

قوله: [وقال ابن رشد]: أتى بكلام ابن رشد لدفع توهم أن ما تقدم فيه خلاف، وأن ما تقدم في اليمين على قول وهنا على قول، فأجاب بأن ابن رشد حكى الاتفاق على الحنث لما تقدم كما قرره مؤلفه.

قوله: [نزاع طويل]: وقد أشرنا لذلك في حكاية مذهب مالك والشافعي.

قوله: [إلا إذا كانت مكرهة بالقتل]: أي لأنه من باب الإكراه على الزنا.

قوله: [وفي جواز قتلها له] إلخ: والقول بالجواز ولو غير محصن لمحمد، وعدم الجواز لسحنون وصوبه ابن محرز قائلاً: إنه لا سبيل إلى القتل لأنه قبل الوطء لا يستحق القتل بوجه وبعده صار حداً والحد ليس لها إقامته.

فصل في ذكر تفويض الزوج الطلاق لغيره

قوله: [جعل إنشاء الطلاق لغيره]: هذا جنس يعم التمليك والتخيير، وقوله: "باقياً منع الزوج منه" فصل يخرجهما لأن له العزل في التوكيل دونهما، وخرجت الرسالة بقوله: "جعل" لأن الزوج لم يجعل للرسول إنشاء الطلاق، بل الإعلام بثبوته كما يأتي.

قوله: [والتخيير جعل إنشاء الطلاق] إلخ: هذا جنس أيضاً يعم التوكيل والتمليك ويخرج الرسالة كما علمت، وقوله: "صريحاً أو حكماً" أخرج به التمليك، وقوله "حقاً لغيره" أخرج التوكيل، لأن الزوج لم يجعل إنشاء الطلاق حقاً للتوكيل بل جعله بيده نيابة عنه.

قوله: [اختاريني أو اختاري نفسك]: مثل نفسك أمرك.

قوله: [والتمليك جعل إنشائه]: جنس أيضاً يعم التوكيل والتخيير، ويخرج الرسالة وقوله: " حقاً لغيره " أخرج به التوكيل، وقوله: " راجحاً في الثلاث " أخرج به التخيير. قوله: [جعلت أمرك] إلخ: ويدخل فيه كل لفظ دل على جعل الطلاق بيدها دون تخيير، كطلقي نفسك أو ملكتك أمرك أو وليتك أمرك. والحاصل أن كل لفظ دل على أن الزوج فوض لها البقاء على العصمة أو الذهاب عنها بالكلية فهو تخيير، وكل لفظ دل على جعل الطلاق بيدها أو بيد غيرها دون تخيير في أصل العصمة بدليل المناكرة فيه كما يأتي فهو تمليك.

قوله: [غير أنه] إلخ: هذا من


[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[١] ليست في ط المعارف.

<<  <  ج: ص:  >  >>