(إن قامت له بينة بعدها): أي بعد العدة، (على إقراره) أي بالوطء في العدة أو بمقدماته وادعى أنه كان نوى به الرجعة فيصدق في ذلك وتصح رجعته، (أو) قامت له البينة على معاينة (تصرفه) أي الزوج (لها) في العدة بالدخول والخروج والإتيان بحاجة المنزل، (أو) أشهدت على (مبيته عندها) أي الزوجة وادعى رجعتها (فيها) أي في العدة متعلق بكل من إقراره وتصرفه ومبيته والحاصل: أنه إن ادعى بعدها مراجعتها في العدة وأقام بينة على أنه أقر في العدة بوطئها أو على أنه كان يتصرف لها التصرف الخاص، أو أنه كان يبيت عندها في العدة فإنه يصدق ويحكم له بصحة الرجعة.
(أو قال): أي وصحت رجعته إن قال لها (ارتجعتك) إنشاءً لا إخباراً، (فقالت) له: قد (انقضت العدة) برؤيتي الحيضة الثالثة، أي فلم تصادف رجعتك محلاً، (فأقام بينة على ما) أي على قول منها قبل ذلك (يكذبها) في قولها انقضت العدة، بأن أقام بينة تشهد أنها قالت قبل ذلك بنحو يومين أو عشرة أيام أنها لم تر إلا حيضة فقط أو حيضتين، ولم يمض زمن يمكن فيه رؤية الثالثة، (أو) أنه لما راجعها (سكتت) زمناً (طويلاً) كاليوم أو بعضه (ثم قالت: كانت انقضت) العدة قبل المراجعة فلا يفيدها، وصحت الرجعة ويعد ذلك منها ندماً ومفهوم:"سكتت"، أنها لو بادرت لأفادها ولم تصح الرجعة، وهو كذلك أي إذا لم تقم بينة بما يكذبها كما تقدم.
(لا) تصح الرجعة (إن قال من يغيب) أي من أراد الغيبة أي السفر، وكان علق طلاقها على شيء كما لو قال: إن دخلت الدار فأنت طالق، وخاف أن تدخلها في غيبته فيحنث فقال:(إن حنثتني) بدخول الدار في سفري (فقد ارتجعتها) ولا يفيده هذا التعليق؛ لأن الرجعة تحتاج لنية بعد الطلاق، (كأن) قال: إن (جاء الغد فقد ارتجعتها) فلا يفيده، ولا تصح رجعته لأن الرجعة ضرب من النكاح، فلا تكون لأجل ولأنها تحتاج لمقارنة نية. نعم إن وطئها في العدة بعد الغد، معتمدا على تعليقه المتقدم، صحت رجعته من حيث إنه فعل قارنه نية لا بالتعليق المتقدم.
(وصدقت) المطلقة (في انقضاء العدة
ــ
قوله:[إن قامت له بينة بعدها] حاصل فقه المسألة أن الرجل بعد انقضاء العدة ادعى أنه راجع زوجته فيها، وأقام بينة تشهد أنه أقر بالوطء أو التلذذ بها في العدة، وادعى أنه نوى به الرجعة فإنه يصدق في دعواه وتصح رجعته، والموضوع أن الخلوة بها قبل الطلاق قد علمت ولو بامرأتين، وحيث كان تصح الرجعة بإقامة البينة على إقراره بالوطء، في العدة مع دعواه أنه نوى به الرجعة، فلو دخل على مطلقة وبات عندها في العدة، ثم مات بعد العدة ولم يذكر أنه ارتجعها فلا تثبت بذلك الرجعة، ولا ترثه ولا يلزمها عدة وفاة فتدبر.
قوله:[فأقام بينة]: أي من الرجال لا من النساء لأن شهادتها على إقرارها بعدم الحيض لا على رؤية الدم التي يكفي فيها النساء.
قوله:[فلا تكون لأجل]: أي فكما لا يجوز التأجيل في النكاح كأن يقول أعقد لك على ابنتي الآن على أنها لا تحل لك إلا في الغد، لا يجوز التأجيل في الرجعة.
قوله:[بعد الغد]: لا مفهوم له (بن) كذلك، لو وطئها قبله تصح رجعته إن قارن الوطء نيته وإلا فلا، والفرق بين صحة الطلاق قبل النكاح كما إذا قال إن تزوجت فلانة فهي طالق، وبين عدم صحة الرجعة قبل الطلاق في مسألة من أراد السفر أن الطلاق حق على الرجل يحكم به عليه، والرجعة حق له والحق الذي عليه يلزم بالتزامه، والحق الذي له ليس له أخذه قبل أن يجب ولو أشهد به فتأمل. تنبيه: مثل قول من يغيب المذكور اختيار الأمة المتزوجة بعبد نفسها، أو زوجها بتقدير عتقها كأن تقول: إن عتقت فقد اخترت نفسي أو اخترت زوجي فإنه لغو ولو أشهدت على ذلك ولها اختيار خلافه إن عتقت، بخلاف الزوجة التي شرط لها الزوج عند العقد أن أمرها بيدها إن تزوج عليها أو تسرى أو أخرجها من بلدها أو بيت أبيها، تقول قبل حصول ما ذكر: إن فعله زوجي فقد فارقته، فإنه يلزمها وليس لها الانتقال إلى غيره لأن الزوج أقامها مقامه في تمليكه إياها ما يملكه، وهو يلزمه ما التزمه، نحو: إن دخلت الدار فأنت طالق. فكذلك هي وهذا يفيد كما قال ابن عرفة لزوم ما أوقعه من الطلاق لا ما أوقعته باختيار زوجها، وقيل إن المسألتين مستويتان في لزوم ما أوقعتاه قبل حصول سبب خيارهما، وهو لابن حارث عن أصبغ مع رواية ابن نافع، وقيل: مستويتان في عدم لزوم ما أوقعتاه وهو للباجي، ولكن المعتمد الأول وهذه المسألة هي التي تحكى عن ابن الماجشون أنه سأل مالكاً عن الفرق بين الحرة ذات الشرط والأمة؟ فقال له الفرق دار قدامة وكانت داراً يلعب فيها الأحداث بالحمام معرضاً له بقلة التحصيل، فيما سأله عنه وتوبيخاً له على ترك إعمال النظر في ذلك حتى إنه سأل عن أمر غير مشكل اهـ. وحاصل الفرق بين المسألتين أن اختيار الأمة قبل العتق فعل للشيء قبل وجوبه لها بالشرع، وأما ذات الشرط فاختيارها فعل للشيء بعد