وذهب بعضهم إلى أن مغيب الأصل كالثمر يراعى فيه الثلث (وإن انتهى طيبها) أي: الثمار وما ألحق بها بأن بلغت الحد الذي اشتريت له فتوانى المشتري في جذها حتى أجيحت (فلا جائحة) لفوات محل الرخصة، وأما لو أجيحت أيام جذها على العادة فإنها توضع (كالقصب الحلو) فإنه لا جائحة فيه على مذهب المدونة، وقال ابن القاسم: توضع فيه، ابن يونس وهو القياس (ويابس الحب) من قمح أو غيره إذا بيع بيعاً صحيحاً، وذلك بعد يبسه أو قبله على القطع، لكن أبقاه المشتري ليبسه فأجيح؛ فلا جائحة فيه، وأما لو اشتراه قبله على التبقية أو الإطلاق ففاسد ضمانه من بائعه بجائحة أو غيرها بخلاف ما لو اشتراه على القطع فأجيح أيام قطعه المعتاد ففيه الجائحة.
(وإن اختلفا) أي البائع والمشتري (فيها): أي في الجائحة أي في حصولها (فقول البائع) أي فالقول له إنها لم تجح فعلى المشتري الإثبات وإن توافقا عليها. (و) اختلفا (في قدر المجاح): هل هو الثلث أو أكثر أو أقل (فالمشتري) القول له. والله أعلم.
(فصل) في اختلاف المتبايعين في الثمن أو المثمن
(إن) (اختلف المتبايعان في جنس ثمن) كأن قال البائع: بعته لك بدينار. وقال المشتري: بل بثوب (أو) في جنس (مثمن) كـ: بعتك هذا الحمار بدينار، فقال: بل العبد بدينار، وأولى إن اختلفا فيهما معاً، فأو مانعة خلو فقط (أو) اختلفا في (نوعه)، أي الثمن أو المثمن كدنانير ودراهم أو قمح وشعير أو ثوب كتان وثوب قطن (حلفا) أي حلف كل منهما على إثبات دعواه ورد دعوى صاحبه (وفسخ) البيع (مطلقاً) أشبها أو لم يشبها أو انفرد أحدهما بالشبه كان المبيع قائماً أو فات لكن إن لم يفت ردها بعينها (ورد قيمتها في الفوات) وتعتبر القيمة
ــ
والعصفر والفول الأخضر والجلبان حكمها حكم الثمار يراعى فيها ذهاب الثلث. وروى محمد عن أشهب: أن المقاثي كالبقول، يوضع قليلها وكثيرها. والأول أشهر وبه القضاء.
قوله: [وذهب بعضهم إلى أن مغيب الأصل] إلخ: المراد به المتيطي. والحاصل. أن الثمار لا بد في وضع جائحتها من ذهاب الثلث اتفاقاً، والبقول توضع جائحتها وإن قلت اتفاقاً، والمقاثئ مذهب المدونة إلحاقها بالثمار وإلحاق مغيب الأصل بالبقول وألحقه المتيطي بالثمار وألحق أشهب المقاثي بالبقول.
[وإن انتهى طيبها]: لما ذكر أن شرط وضع الجائحة أن تصيب الثمرة قبل انتهاء طيبها ذكر مفهوم ذلك بقوله: "وإن انتهى طيبها". إلخ وحاصله أن الثمرة المبيعة إذا أصابتها الجائحة بعد تناهي طيبها فإنها لا توضع وسواء بيعت بعد بدو الصلاح وتناهي طيبها عند المشتري أو بعد تناهي طيبها على الجذ فأخر جذها لغير عذر فأجيحت والمراد بانتهاء طيبها بلوغها الحد الذي اشتريت له من تمر أو رطب أو زهو.
قوله: [بخلاف ما لو اشتراه على القطع]: أي بالشروط الثلاثة المتقدمة.
قوله: [فقول البائع]: أي لأن الأصل عدمها.
قوله: [فالمشتري القول له]: أي لأنه غارم وهو مصدق فيما غرمه.
تتمة: يخير العامل في المساقاة إذا أصابت الجائحة الثمرة وأجيح الثلث فأكثر ولم يبلغ الثلثين وكان المجاح شائعاً بين سقي الجميع أو تركه بأن يحل العقد عن نفسه ولا شيء له فيما تقدم، فإن كان معيناً في جهة لزمه سقي ما عدا المجاح. وأما إن بلغ المجاح الثلثين فأكثر خير مطلقاً كان شائعاً أو معيناً، وأما لو أجيح دون الثلث لزمه سقي الجميع مطلقاً. ومن باع ثمرة واستثنى كيلاً معلوماً وأجيحت تلك الثمرة فإنه يوضع عن المشتري من ذلك المكيل المستثنى بقدر المجاح من الثمرة بناء على أن المستثنى مشتري، فلو باع ثمرة ثلاثين إردباً بخمسة عشر واستثنى عشرة أرادب فأجيح ثلث الثلاثين وضع عن المشتري ثلث الثمن وثلث القدر المستثنى.
فصل في اختلاف المتبايعين
لما جرى ذكر البائع والمشتري في هذا الفصل وما قبله من أول البيوع إلى هنا كأن قائلاً قال له: فما الحكم إذا اختلفا في جنس الثمن أو نوعه أو قدره أو غير ذلك؟ فعقد لذلك فصلاً.
قوله: [إن اختلف المتبايعان]: أي لذات أو منفعة.
قوله: [بعته لك بدينار]: ومثله أكريته.
قوله: [كبعتك هذا الحمار بدينار]: ومثله أكريته لك بدينار.
قوله: [فأو مانعة خلو فقط]: أي فتجوز الجمع فيصدق موضوع الكلام بثلاث صور اختلاف؛ في جنس الثمن فقط، أو المثمن فقط، أو هما. وإن قلت: كان البيع ذاتاً أو منفعة كانت الصور ستاً ومثلها في اختلاف النوع.
قوله: [وفسخ البيع مطلقاً]: دخل تحت الإطلاق ثمان صور تضرب في الاثنتي عشرة المتقدمة وهي: أشبها أو لم يشبها، أشبه البائع دون المشتري، وعكسه، كان المبيع قائماً أو فائتاً. فجملة الصور ست وتسعون؛ تأمل،
قوله: [ورد قيمتها في الفوات]: أي ولو كان الفوات بحوالة سوق وتقاصا إذا ساوت القيمة الثمن وأما لو زاد أحدهما رجع صاحب الزيادة بها على صاحبه.