للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ومفهوم الشرط أنه لا نفقة له بالحضر، قال اللخمي: ما لم يشغله عن الوجوه التي يقتات منها، وإلا فله الإنفاق. ولثالثها بقوله: (ما لم يبن بزوجة) في البلد التي سافر لها [١] للتجارة. فإن بنى بها سقطت نفقته منه لا إن لم يبن ولو دعي للدخول. وهذا الشرط في الحقيقة شرط في استمرار النفقة. ولرابعها بقوله: (واحتمل المال) الإنفاق منه بأن يكون كثيراً عرفاً فلا نفقة في اليسير كالأربعين والخمسين ديناراً خصوصاً في زمن الغلاء. وإذا جاز له النفقة على نفسه أنفق (ذهاباً وإياباً بالمعروف) وجاز أن يكون قوله: "بالمعروف" شرطاً، وبه تكون الشروط خمسة. والمراد بالمعروف: ما يناسب حاله (لا لأهل وكحج) من القرب كغزو ورباط وصلة رحم، والمراد بالأهل: الزوجة، لا الأقارب إلا أن يكون قصد بسفره لهم صلة الرحم فلا نفقة له. وهو داخل تحت الكاف في قولنا: "وكحج" أي: لا إن سافر لزوجة ببلد ولا إن سافر لقربة كحج، وهذا محترز الشرط الثاني أي قولنا: "للتجارة". وإنما لم يكن له الإنفاق في هذا؛ لأنه لله تعالى وما كان لله لا يشرك معه غيره، وفهم من قوله: "ما لم يبن بزوجة" ومن قوله: "لا لأهل"، أنه لو سافر للتجارة بزوجته أن له النفقة أي على نفسه فقط في سفره ذهاباً وإياباً. وأما في إقامته معها في بلد التجارة، فهل له النفقة بناء على أن دوامه معها ليس كالابتداء أم لا بمنزلة ما لو بنى بها في تلك [٢] البلد، بناء على أن الدوام كالابتداء، وظاهر كلامهم الأول، ثم إن كل من سافر لقربة لا نفقة له في رجوعه ببلد لا قربة بها [٣]، بخلاف من سافر لزوجته فله النفقة في رجوعه لبلد ليس بها [٤] أهل. والفرق بينها أن الرجوع في القربة قربة ولا كذلك الرجوع من عند الأهل. وقولنا: "وأنفق منه" فيه إشارة إلى أن النفقة تكون في مال القراض لا في ذمة رب المال، حتى لو ضاع المال لم يكن له على ربه شيء، وهو معنى قول الشيخ: "في المال" فلا إهمال، ثم إذا أنفق العامل على نفسه من غيره فله الرجوع بما أنفقه في المال، وستأتي الإشارة إلى ذلك.

(واستخدم) العامل: أي اتخذ له خادماً يخدمه بأجرة من المال (إن تأهل) للإخدام: أي كان أهلاً لذلك بالشروط المتقدمة، وهي إن سافر لتنمية المال ولم يبن بزوجته، واحتمل المال الإنفاق منه. (واكتسى) منه زيادة على النفقة (إن طال) زمن سفره ولو لم يكن بعيداً. والطول بالعرف. وهو ما يمتهن به ما عليه من الثياب أي مع الشروط السابقة، فالطول شرط زائد

ــ

في متعلق بأنفق.

قوله: [ومفهوم الشرط]: أي الذي هو قوله إن سافر.

قوله: [عن الوجوه التي يقتات منها]: أي كما لو كانت له صنعة ينفق منها فعطلها لأجل عمل القراض، فإن هذا قيد معتبر -كما قال أبو الحسن- خلافاً للتتائي القائل بعدم اعتباره.

قوله: [ما لم يبن بزوجة]: أي فقط لا سرية قال التونسي: إن تزوج في بلد لم تسقط نفقته حتى يدخل فحينئذ تصير بلده، نقله ابن عرفة. والدعوى للدخول ليست مثله في إسقاط النفقة خلافاً (لعب) كذا في (بن).

قوله: [سقطت نفقته]: أي ويأتي هنا قيد اللخمي.

قوله: [فلا نفقة في اليسير]: فلو كان بيد العامل مالان يسيران لرجلين، ويحملان باجتماعهما النفقة ولا يحملانها عند الانفراد، فروى اللخمي: أن له النفقة. والقياس سقوطها لحجة كل منهما بأنه دفع ما لا تجب فيه النفقة. اهـ قال ابن عرفة: ولا أعرف هذه الرواية لغيره، ولم أجدها في النوادر، وهو خلاف أصل المذهب فيمن جنى على رجلين كل واحدة منهما لا تبلغ ثلث الدية -وفي مجموعهما ما يبلغه- أن ذلك في ماله لا على العاقلة. اهـ (بن).

قوله: [وجاز أن يكون قوله بالمعروف شرطاً]: أي مستقلاً وفي الحقيقة هو أمر لا بد منه جعل شرطاً مستقلاً أو لا.

قوله: [لا الأقارب]: أي فالأقارب غير الزوجة -من أم وأب ونحوهما- إن كان قاصداً بلدهم للتجارة لا للصلة فله الإنفاق من المال. بخلاف الزوجة والحج والغزو، ومتى قصد ما ذكر فلا ينفق ولو قاصداً معه التجارة.

قوله: [وما كان لله لا يشرك معه غيره]: أي سواء كان تابعاً أو متبوعاً فلا نفقة له على كل حال، لكن هذا الفرق لا يظهر بالنسبة للسفر للزوجة؛ لأنه لحق مخلوق لا لله.

قوله: [أم لا بمنزلة ما لو بنى بها] إلخ: أي فيكون بمنزلة من بنى بزوجة في أثناء السفر فلا نفقة له كما تقدم.

قوله: [وظاهر كلامهم الأول]: أي أن الدوام ليس كالابتداء فله الإنفاق على نفسه.

قوله: [ليس به أهل]: أي زوجة.

قوله: [ولا كذلك الرجوع من عند الأهل]: أي فلا يقال له قربة؛ لأنه حق مخلوق. قال الخرشي: فيؤخذ من هذا التعليل أن من سافر لبلد ومر بمكة لكونها بطريقه وقصده -الحج أيضاً- فإن له النفقة بعد فراغه من النسك وتوجهه لبلد التجارة. اهـ.

قوله: [فلا إهمال]: أي في كلامنا ولا في كلام الشيخ.

قوله: [وستأتي الإشارة إلى ذلك]: أي في قوله: "أو قال أنفقت من غيره".

قوله: [بالشروط المتقدمة]: ما ذكره من اعتبار الشروط المتقدمة في الاستخدام تبع فيه الشيخ أحمد الزرقاني وهو الظاهر، كما قال (بن) بدليل قول ابن عبد السلام: الخدمة أخص من النفقة وكل ما كان شرطاً في الأعم فهو شرط في الأخص، خلافاً (لعب).

قوله: [إن طال زمن سفره]: أي في الطريق


[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[١] قوله: (التي سافر لها) في ط المعارف: (الذي سافر له).
[٢] في ط المعارف: (هذا).
[٣] في ط المعارف: (به).
[٤] في ط المعارف: (به).

<<  <  ج: ص:  >  >>