للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قبض الأواخر [١]. وقيل: لا بد من تعجيل جميع الأجرة ولو شرع، لأن قبض الأوائل ليس قبضاً للأواخر. وظاهر قوله: "لم يشرع": أي فلا بد من تعجيل جميع الأجرة سواء كان السفر قريباً أو بعيداً، وقع عقد الإجارة في إبان السفر أو في غيره، فاستثنى من ذلك مسألة بقوله:

(إلا لبعد المسافة): أي مسافة السفر، حجاً كان أو غيره إذا وقع العقد (في غير الإبان): أي وقت سفر الناس عادة، كما لو وقع عقد الكراء لحاج مع جمال في مصر في رمضان أو في أوائل شوال، فإن شأن المصري إنما يسير في آخر شوال (فاليسير): أي فيكفي تعجيل اليسير من الأجر، ولا يتعين تعجيل الجميع للضرورة؛ لأن تعجيل جميع الأجرة في مثل ذلك يؤدي إلى ضياع أموال الناس بسبب هروب الجمالين إذا قبضوا الأجرة فعلم أنه إن تأخر الشروع أكثر من ثلاثة أيام فلا بد من تعجيل الأجرة وإلا فسدت، إلا أن يكون بعيداً فيكفي، تعجيل اليسير منه للضرورة. وأما إن لم يتأخر الشروع فيجوز تأخير الأجرة. لكن قال ابن رشد: إن كان العمل يسيراً فإن كان كثيراً فلا بد من التعجيل، وأقره في التوضيح. وعليه: فلا يكون قبض الأوائل كقبض الأواخر إلا في اليسير انتهى. ذكره بعض المحققين.

(وإلا) يكن الأجر معيناً ولا شرط تعجيله ولا العادة تعجيله ولا المنافع مضمونة، فإن انتفت الأربعة فلا يجب تعجيل الأجر. وإذا لم يجب التعجيل (فمياومة): أي كلما استوفى منفعة يوم أو تمكن من استيفائها لزمه أجرته.

والمراد باليوم: القطعة من الزمن الصادقة [٢] بالأكثر والأقل، وهذا عند المشاحة في نحو أكرية الدور أو إجارة بيع سلعة أو بناء (أو بعد) تمام (العمل) كما لو أجره بشيء على بيع جميع السلع أو على خياطة ثوب أو خرز نعل أو حمل شيء بسفينة. وجاز عند عدم المشاحة التعجيل والتأخير، وهو الأصل في الإجارة كما تقدم.

(وفسدت) الإجارة (إن) وقعت بأجر معين و (انتفى عرف تعجيل المعين) وانتفاؤه صادق بجريان عرفهم بتأخيره وبعدم عرفهم بتعجيل أو تأخير. وعلة الفساد أن فيه بيع معين يتأخر قبضه كما في المدونة. وأما التعليل بلزوم الدين بالدين كالسلم فلا يصح هنا؛ لأن المعينات لا تقبلها الذمم، ومثل هذا في الفساد ما اشترط تأخيره للعلة المذكورة. ومفهوم: "انتفى عرف" إلخ أنه لو كان العرف تعجيلهم المعين صحت ووجب التعجيل أو اشتراط التعجيل كما مر في قوله: "أو عين"، فإن معناه عين وكان العرف تعجيله أو شرط تعجيله عند عدم العرف بشيء أو عرف التأخير.

فإذا انتفى العرف بتعجيله فسدت (ولو عجل) بالفعل بعد العقد، ولا تصح إلا إذا شرط تعجيله وعجل.

ثم شبه في الفساد قوله: (كمع جعل): أي كما تفسد الإجارة إذا وقعت مع جعل صفقة واحدة، كأجرني دابتك وائتتي [٣] بعبدي الآبق بكذا؛ فيفسدان معاً

ــ

تعمير الذمتين بدليل تعليله بقوله؛ لأن ذمته مشغولة إلخ.

قوله: [قبض، للأواخر]: هذا قول أشهب.

قوله: [وقيل لا بد من تعجيل جميع الأجرة]: أي بناء على قول ابن القاسم إن قبض الأوائل ليس قبضاً للأواخر، فيجب تعجيل النقد في المنافع المضمونة شرع فيها أم لا، والأول مشهور مبني على ضعيف.

قوله: [ولا يتعين تعجيل الجميع]: أي إذا كانت الأجرة فيكفي تعجيل الدينار والدينارين. فإن كانت يسيرة في نفسها فلا بد من تعجيلها كلها كما قال.

قوله: [ذكره بعض المحققين]: مراد به (بن).

قوله: [وإلا يكن الأجر معيناً]: مفهوم قوله أو عين.

وقوله: [ولا شرط تعجيله ولا العادة تعجيله]: مفهوم قوله إن شرط أو اعتيد.

وقوله: [ولا المنافع]: مضمونة راجع لقوله أو في مضمونة لم يشرع فيها فهو لف ونشر مخلبط.

قوله: [فإن انتفت الأربعة]: أي التي هي تعيين الأجر أو شرط تعجيله أو العادة بتعجيله أو المنافع مضمونة ولم يشرع فيها.

قوله: [وعلة الفساد أن فيه بيع معين يتأخر قبضه]: مقتضاه أن محل الفساد إذا كان تأخيره أكثر من خمسة أيام إن كان المعين حيواناً وأكثر من عام إن كان المعين داراً وأكثر من عشرة أعوام إن كان المعين أرضاً، فإن كان عرفهم تأخيره أقل من ذلك لا منع كما يأتي في قوله في الجائزات وبيع دار لتقبض بعد عام وأرض بعد عشر وحيوان بعد ثلاثة أيام لا عشر، وكره المتوسط والظاهر أن المعين إن كان كثوب أو نحاس يمنع التأخير فيه نصف شهر لتأديته للسلم في معين، وأما دون ذلك فيجوز لعدم التغير عادة فتدبر.

قوله: [للعلة المذكورة]: أي وهو السلم في معين.

قوله: [تعجيلهم المعين]: أي بأن كان يقبض في أمده الذي يسوغ تأخيره إليه على مقتضى ما تقدم.

قوله: [عند عدم العرف بشيء] إلخ: أي فمحل اشتراط التعجيل إن لم يكن عرف بشيء أو العرف التأخير.

قوله: [فإذا انتفى العرف بتعجيله] إلخ: توطئة لكلام المصنف.

قوله: [ولا تصح إلا إذا شرط تعجيله]: أي قبل مضي نصف شهر، ومثله اشتراط الخلف في الدنانير أو الدراهم؛ لأن شرط الخلف يقوم مقام التعجيل كما إذا استأجره على شيء بالدراهم المعينة الموضوعة تحت يد فلان في الموضع الفلاني فلا يصح إلا بشرط التعجيل، أو العرف التعجيل، أو بشرط الخلف كما في الحاشية.

قوله: [أي كما تفسد الإجارة] إلخ: في الكلام حذف تقديره أي: وكما تفسد الإجارة إن انتفى عرف تعجيل المعين تفسد الإجارة إذا وقعت إلخ، والكاف عند الفقهاء يدخلونها على المشبه لأن المقصود


[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[١] كذا في ط الحلبي والمعارف، ولعل الصواب: (للأواخر).
[٢] في ط المعارف: (مصادقة)، ولعلها الصواب.
[٣] في ط المعارف: (وائتني)، ولعلها الصواب.

<<  <  ج: ص:  >  >>