للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بل يجبر على السكنى بقية المدة، وهو معنى قوله رضي الله عنه: "بخلاف ساكن أصلح له بقية المدة قبل خروجه". ومفهوم قوله: "قبل خروجه" أنه لو أصلح له بعد أن خرج، فلا يلزمه العود لها حتى تنقضي المدة.

(والقول) عند التنازع بين الأجير ومستأجره (للأجير أنه أوصل ما أرسل به) مما استؤجر على إيصاله من كتاب أو غيره بيمينه إن أشبه؛ بأن كان الأمد يبلغ في مثله عادة فيستحق الأجرة لأنه أمين. فإن لم يحلف حلف المستأجر ولا أجرة له، وإن كان يضمن إذا أنكر المرسل إليه الوصول إليه؛ لأن الكلام هنا في استحقاق الأجرة لا في نفي [١] الضمان، فلا ينافي ما تقدم في الوديعة من الضمان.

(أو أنه استصنع) أي: والقول للأجير إذا كان صانعاً ودفع له شيء له فيه صنعته كخياط دفع له ثوب فخاطه وادعى أنه دفع له ليصنعه، وقال ربه: بل دفعته لك وديعة عندك؛ لأن الشأن فيما يدفع للصناع الاستصناع والإيداع نادر فيلزم ربه الأجرة.

(أو أنه على الصفة): التي قلت لي عليها، وقال ربه: بل ذكرت لك صفة أخرى؛ فالقول للأجير كخياط وصباغ ونجار ونحوهم (إن أشبه) الأجير في دعواه، فإن لم يشبه حلف ربه وثبت له الخيار في أخذه ودفع أجرة المثل وتركه وأخذ قيمته غير مصنوع، فإن نكل اشتركا؛ هذا بقيمة ثوبه مثلاً غير مصبوغ وهذا بقيمة صبغه. فقوله: "أو أنه على الصفة"، معناه أنهما اتفقا على الاستصناع واختلفا صفتها.

وكذا القول للأجير في قدر الأجرة إن أشبه بيمينه، أشبه ربه أم لا. فإن انفرد ربه بالشبه، فالقول له بيمينه، فإن لم يشبها حلفا، وكان للأجير أجرة مثله. كأن نكلا معاً وقضي للحالف على الناكل، وهذا إذا كان المصنوع تحت يد الصانع، فإن حازه ربه، أو كان الصانع إنما يصنعه في بيت ربه. ولا يمكنه من الخروج به، أو كالبناء، فالقول في قدر الأجرة لربه إذا لم ينفرد الصانع بالشبه، وإلا فالقول له.

(لا في رده): أي المصنوع لربه (وهو مما يغاب عليه). كالثوب والحلي: أي فليس القول قول الصانع إنه رده لربه، بل القول لربه بيمينه. وأما ما لا يغاب عليه - كدابة دفعها ربها لمن يعلمها بأجر وادعى ردها - فالقول للأجير في ردها.

ولما كان لهم مسائل من الإجارة تشبه الجعالة، من حيث إنه لا يستحق فيها الأجير أجرته إلا بتمام العمل نبه عليها بقوله:

(والأصح) الذي هو قول ابن القاسم وروايته في المدونة عن مالك (أن كراء السفن)، إنما يستحق (بالبلاغ) إلى المحل المشترط: أي مع إمكان إخراج ما فيها فإن غرقت في الأثناء أو بعد البلاغ قبل التمكن من إخراج ما فيها فلا أجرة لربها

ــ

قوله: [بل يجبر على السكنى]: أي حيث كانت وجيبة أو نقد كراءها وإلا فلا يجبر مطلقاً.

قوله: [حتى تنقضي المدة]: حتى غائية بمعنى "إلى" مفرع على المنفي.

تنبيه: إن غارت عين المكري لأرض زراعة سنين بعد زرعها وأبى المكري من التعمير أنفقت أيها المكتري أجرة سنة ليتم زرعك في تلك السنة ويلزم المكري ما أنفقت لأنك قمت عنه بواجب، فلو كان لا يصلحها إلا أكثر من أجرة سنة وأبى ربها من الإصلاح ومن الإذن فأنفق المكتري كان متبرعاً بالزائد، فإن أبى من الإنفاق أيضاً كان له ذلك ولا يلزمه الكراء؛ لأن هلاك الزرع من العطش كذا في الأصل.

قوله: [فإن لم يحلف]: راجع لقوله بيمينه.

قوله: [حلف المستأجر]: أي إن حقق عليه الدعوى وإلا فلا يمين ولا أجرة.

قوله: [لا في نفي الضمان]: أي ضمان الشيء المستأجر عليه.

قوله: [فلا ينافي ما تقدم في الوديعة من الضمان]: قال خليل في الوديعة عاطفاً على ما فيه الضمان أو المرسل إليه المنكر ولا بينة. وقال في الوكالة: وضمن إن أقبض الدين ولم يشهد قال شراحه ومثل الدين غيره.

قوله: [إن أشبه]: أي بالنسبة لمالكه في استعماله كصبغه شاشاً أخضر لشريف أو أزرق لنصراني فلا يقبل دعوى شريف أنه أمره بصبغه أزرق ليهديه لنصراني، ولا دعوى نصراني أنه أمره بصبغه أخضر ليهديه لشريف، وكل هذا ما لم تقم قرينة قوية تؤيد قول المالك.

وقوله: [إن أشبه]: راجع للفروع الثلاثة فحذفه من الأولين لدلالة الثالث عليه كما يستفاد من الشارح.

قوله: [وكذا القول] إلخ: زيادة من الشارح على المتن.

قوله: [كأن نكلا معاً]: أي ففيه أجرة المثل.

قوله: [وهذا إذا كان المصنوع] إلخ: تقييد للتفصيل المتقدم في التنازع في قدر الأجرة.

قوله: [لا في رده]: حاصله أنه إذا ادعى الصانع رد المصنوع لربه وأنكر ربه أخذه كان القول قول ربه، سواء كان الصانع قبضه ببينة أو بغيرها، وهذا إذا كان المصنوع مما يغاب عليه، والفرق بين ما هنا وبين الوديعة أن المودع بالفتح قبض الوديعة على غير وجه الضمان والصانع قبض ما فيه صنعته ويغاب عليه على وجه الضمان.

قوله: [فالقول للأجير في ردها]: أي إلا أن يكون قبضها ببينة مقصودة للتوثيق وإلا فلا يقبل دعواه ردّاً ولا تلفاً.

تنبيه: إن ادعى الصانع الاستصناع كصباغ صبغ الثوب، وقال ربه: سرق مني، فإن أراد ربه أخذه دفع قيمة الصبغ بعد حلفه أنه ما استصنعه إن زادت دعوى الصانع على قيمة الصبغ وإلا أخذه بلا يمين ودفع للصانع ما ادعاه من الأجرة وإن اختار تغريمه قيمة الثوب، فإن دفع الصانع قيمته أبيض يوم الحكم على الأظهر فلا يمين على واحد منهما، وإن امتنع من دفعها حلفاً وبدئ الصانع، وقيل


[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[١] ليست في ط المعارف.

<<  <  ج: ص:  >  >>