للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والثاني: معرفة مدارك الأقوال، فلمن له الترجيح ترجيح ما ضعف لقوة المدرك عنده.

والثالث: العمل به في نفسه إذا اقتضت الضرورة ذلك ثم إن الخليفة إذا ولي مستوفياً للشروط لا يجوز عزله إذا تغير وصفه كأن طرأ عليه الفسق وظلم الناس، بخلاف غيره من قاض ووال وكذا الوصي بعد موت الموصي وجاز للموكل عزل وكيله مطلقاً.

ولا يجوز تعدد الخليفة إلا إذا اتسعت وبعدت الأقطار ويجب أن يكون الحاكم سميعاً بصيراً متكلماً.

(ووجب عزل أعمى أو أصم أو أبكم) ولو طرأ عليه بعد توليته (ونفذ حكمه) إن وقع صواباً لأن اتصافه بالثلاثة واجب غير شرط وفقد اثنين منها مضر لا ينفذ به حكمه إذ لا تنعقد ولايته بفقد اثنين وأما فاقد الثلاثة فلا تصح معاملته وفي معاملة فاقد الاثنين خلاف الأظهر عدم صحتها لعدم انضباطه.

(وتعين القضاء على منفرد) في عصره (بشروطه أو) على (خائف فتنة) على نفسه أو ماله أو ولده أو على الناس إن لم يتول القضاء (أو) على خائف (ضياع حق) له أو لغيره (إن لم يتول) ومعنى "تعين" بالنسبة للأخيرين: وجب. وإذا وجب، هل يجوز بذل مال عليه؟ قيل: نعم، لأنه لتحصيل أمر واجب. وقيل: لا، واستظهر. وأما بذل مال في طلب ما لم يجب فحرام قطعاً، وولايته باطلة، وقضاؤه مردود. وقضاة مصر يبذلون الأموال في نظير أكل أموال الناس بالباطل بلا شبهة، ولا سيما إذا كانوا يتامى أو ضعفاء فلا يبقي لهم القضاة من أموالهم إلا ما قل نسأل الله العافية، فأحكامهم لا تنفذ بالضرورة على أن قاضي القاهرة في الغالب لا يسمع دعوى ولا يعرف حقيقتها، وإنما يضبط الشاهد من شهود المحكمة القضية ويكتبها، ثم يمضي بها إلى القاضي فيكتب اسمه ويضع ختمه من غير زيادة.

(وحرم) على القاضي أو غيره من خليفة أو عامله (أخذ مال من أحد الخصمين) لأنه من أكل أموال الناس بالباطل بخلاف أخذ مال من وقف على القضاء أو من بيت المال فلا يحرم.

(و) حرم عليه (قبول هدية) من أحد من الناس إلا أن يكون ممن يهاديه قبل توليته القضاء لقرابة أو صحبة أو صلة.

(وندب غني ورع) أي كونه غنياً، لا فقيراً ورعاً، لأنه مظنة التنزه عن الطمع لما في أيدي الناس (نزه) أي كثير النزاهة والبعد عن شوائب الطمع وما لا يليق من سفاسف الأمور بأن يكون كامل المروءة (حليم) لأن الحلم مظنة الخير والكمال، وسوء الخلق مظنة الشر والظلم وأذية الناس بغير حق.

(نسيب) أي معروف النسب؛ لأن مجهوله لا يهاب ويتسارع الناس في الطعن فيه.

ــ

مضاف تقديره عدة أمور.

قوله: [والثاني معرفة مدارك الأقوال]: هذا أيضاً لازم لاتساع النظر والمراد بمدارك الأقوال أدلتها.

قوله: [كأن طرأ عليه الفسق]: أي بغير الكفر قال صاحب الجوهرة:

إلا بكفر فانبذن عهده ... فالله يكفينا أذاه وحده

بغير هذا لا يباح صرفه ... وليس يعزل إن أزيل وصفه

وإنما لم يعزل بالفسق ارتكاباً لأخف الضررين لما في عزله من عظم الفتن.

قوله: [بخلاف غيره من قاض ووال]: أي فيعزله الإمام لزوال وصفه؛ لأنه لا يخشى من عزله فتن كما يخشى من عزل السلطان.

قوله: [مطلقاً]: أي زال وصفه أم لا بسبب وبغيره.

قوله: [إلا إذا اتسعت وبعدت الأقطار]: أي كما في زماننا.

قوله: [ويجب أن يكون الحاكم سميعاً] إلخ: دخول على كلام المصنف أي فتجب له هذه الصفات ابتداء ودواماً.

قوله: [فلا تصح معاملته]: أي لعدم تكليفه إن ولد بهذا الأمر وعجزه عن غالب الأحكام إن طرأت عليه بعد التكليف.

قوله: [أو على خائف فتنة]: أي وإن لم ينفرد بالشروط بدليل عطفه على ما قبله، وفتنة إما بالنصب معمول لخائف أو بالجر بالإضافة.

قوله: [ومعنى تعين بالنسبة للأخيرين وجب]: إن قلت كلامه يوهم أن الأول غير واجب مع أنه أولوي في الوجوب. والجواب أن الأخيرين يقتضيان الوجوب الغير الشرطي، وأما الأول ففيه الوجوب الشرطي المتوقف الصحة عليه بدليل أنه يجبر عليه ولو بالضرب.

قوله: [واستظهر]: أي استظهر (ح) أنه لا يجوز له

قوله: [فأحكامهم لا تنفذ بالضرورة]: أي وإنما سكوت المفتين عنها لعجزهم عن التكلم بالحق كما قال بعض العارفين: هذا الزمان زمان السكوت ولزوم البيوت والرضا بأدنى القوت ومن يقول الحق فيه يموت.

قوله: [على أن قاضي القاهرة] إلخ: استدراك على بطلان حكمه وإن لم يأخذ رشوة لخلو الحكم عن جميع الشروط كما هو معلوم لأهل البصائر.

قوله: [فلا يحرم]: أي بل يندب إذا كان في ضيق عيش وأراد التوسعة على عياله من ذلك.

قوله: [وحرم عليه قبول هدية]: مثله كل صاحب جاه وقد تقدم ذلك في باب القرض.

قوله: [ورع]: هو من يترك الشبهات خوف الوقوع في المحرمات، وأما الأورع فهو من يترك بعض المباحات خوف الوقوع في الشبهات.

قوله: [أي كثير النزاهة]: أشار بذلك إلى أن نزه صيغة مبالغة.

قوله: [أي معروف النسب]: أي وإن لم يكن قرشياً قال ابن رشد: من الصفات المستحسنة أن يكون معروف النسب ليس بابن لعان اهـ. ولذلك جوز سحنون تولية ولد الزنا، ولكن لا يحكم

<<  <  ج: ص:  >  >>