للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(بلا دين) عليه (و) بلا (حد) لأن المدين منحط الرتبة عند الناس، وأحط منه المحدود في زنا أو سرقة أو غيرهما (و) بلا (زائد في الدهاء) بفتح الدال المهملة والمد هو جودة الذهن، فجودته هي المطلوبة؛ لأن الفطانة شرط صحة كما تقدم، وزيادتها ربما أدته للحكم بين الناس بالفراسة بكسر الفاء وترك القوانين الشرعية (و) ندب (منع الراكبين معه والمصاحبين) له بلا ركوب معه إذ لا خير في كثرة اجتماع الناس، وللحميدي رحمه الله تعالى:

لقاء الناس ليس يفيد شيئاً ... سوى الهذيان من قيل وقال

فأقلل من لقاء الناس إلا ... لأخذ العلم أو إصلاح حال

إلا الأعوان من خادم وكاتب وشهود ورسول وسجان ونحو ذلك (و) ندب (تخفيف الأعوان) والاقتصار على قدر الحاجة (و) ندب (اتخاذ من يخبره) [١] أهل الصدق والصلاح (بما يقال فيه) من خير أو شر، ليحمد الله على ما يقال فيه من خير ويتباعد عما يقال فيه من شر إن وقع، أو يبين أنه لم يقع أو يبين الوجه، فقد يعترض عليه بفعل شيء. وهو في الواقع قد يكون واجباً عليه لضرورة اقتضته (أو) بما يقال (في شهوده) من خير أو شر ليبقي عنده أولي الخير ويعزل الأشرار (و) ندب (تأديب من أساء عليه) أي على القاضي (بمجلسه) للحكم كأن يقول له: حكمك باطل، أو: أنت تحكم بغير الحق، أو تأخذ الرشوة، أو لو كان في جا [٢] أو أعطيتك مالاً لحكمت لي، أو لقبلت شهادتي، ونحو ذلك.

(إلا في نحو) قوله له: (اتق الله)، أو: خف الله، أو: اذكر وقوفك بين يدي الله، فلا يؤدبه، بل يرفق به، ويقول له: رزقنا الله تقواه، ونحو ذلك.

ومن الإرفاق أن يقول له: أنت قد لزمك الإقرار بالحق بقولك: قد وفيته، أو أرسل لي رسولاً أو كتاباً يدفعه لفلان، أو بقولك: إن شهد على فلان فدعواه صحيحة وقد شهد عليك فلا يقبل منك تجريحه بعد ذلك، أو: بنكولك عن اليمين، أو: بردك اليمين على المدعي وتحليفه ونحو ذلك. وقولنا: "بمجلسه" احترازاً عما إذا أساء عليه بغير مجلس الحكم فلا يؤدبه، بل يرفعه لغيره إن شاء والعفو أولى. (و) ندب للقاضي (إحضار العلماء) في مجلس الحكم لظهور الصواب (أو مشاورتهم) لذلك وهذا في مشكلات المسائل وأما الضروريات فلا يحتاج فيها لذلك.

(وله): أي للقاضي إذا ولي على القضاء ببلاد (أن يستخلف إن اتسع عمله) لا إن لم يتسع، فلا يجوز له استخلاف ولا ينفذ حكم من استخلفه إلا أن ينفذه هو (بجهة) أي في جهة (بعدت) عنه

ــ

في الزنا لعدم شهادته فيه.

قوله: [بلا دين]: لا يغني عن هذا قوله "غني"، لأنه قد يكون غنياً وعليه الدين.

قوله: [وبلا حد]: علم منه أن تولية المحدود جائزة وأن حكمه نافذ وظاهره قضى فيما حد فيه أو في غيره، وهو خلاف ما لسحنون. بخلاف الشاهد فإنه لا تقبل شهادته فيما حد فيه ولو تاب وتقبل في غيره إذا تاب، والفرق بين القاضي والشاهد استناد القاضي لبينة فبعدت التهمة فيه دون الشاهد.

قوله: [بفتح الدال المهملة والمد]: وهمزته منقلبة عن الياء لا عن الواو.

قوله: [ربما أدته] إلخ: أي فلذلك كرهت زيادتها فيه وهذا بخلاف الأمير فزيادتها فيه لا كراهة فيها لوسع عمله.

قوله: [وندب منع الراكبين معه]: إلخ: أي يندب للقاضي أن يمنع الركاب معه والمصاحبين له من غير حاجة وإن كان شأنه ذلك قبل القضاء.

قوله: [وللحميدي - رحمه الله -] إلخ: هذان البيتان من بحر الوافر وأجزاؤه مفاعلتن مفاعلتن فعولن.

قوله: [الهذيان]: هو الكلام الساقط الذي لا يعود على صاحبه منه خير دنيوي ولا أخروي.

قوله: [ونحو ذلك]: أي كالترجمان.

قوله: [أو يبين]: معطوف على يتباعد. وقوله: [إن وقع]: معترض بين المعطوف والمعطوف عليه.

قوله: [وندب تأديب من أساء عليه]: ما ذكره المصنف من ندب تأديب من أساء عليه هو ظاهر كلام ابن رشد وظاهر كلام ابن عبد السلام وجوب التأديب لحرمة الشرع، وهذا كله إذا أساء على القاضي، وأما إذا أساء على غيره كشاهد أو خصم فالأدب واجب قطعاً كما في (بن).

قوله: [بل يرفق به]: أي لئلا يدخل في وعيد قوله تعالى: {وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم} [البقرة: ٢٠٦] الآية وقد كان بعض العارفين إذا قيل له اتق الله مرغ خديه على التراب

قوله: [أن يقول له]: أي يقول القاضي لأحد الخصمين.

قوله: [أو أرسل لي رسولاً]: معطوف على "قد وفيته" مسلط عليه القول.

قوله: [أو بقولك إن شهد] إلخ: معطوف على "بقولك" الأول.

قوله: [والعفو أولى]: قال تعالى: {فمن عفا وأصلح فأجره على الله} [الشورى: ٤٠].

قوله: [وندب للقاضي إحضار العلماء]: أي فإن أحضرهم أو شاورهم ووافقوه على ما يريد الحكم به، فالأمر واضح، وإن خالفوه وأظهروا له فساد ما أراد الحكم به وافقهم، وندب إحضار العلماء والمشاورة في المشكلات، ولو كان القاضي مجتهداً فإن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كانوا يفعلون ذلك لاحتمال أن يكون الظاهر له في هذه النازلة غير الظاهر لهم، فإذا أحضرهم فيحتمل أن يظهر له ما ظهر لهم ويرجع عن


[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[١] زاد بعدها في ط المعارف: (من).
[٢] في ط المعارف: (جاه).

<<  <  ج: ص:  >  >>