للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقيل: له حلق لحيته وتسخيم وجهه، قال ابن مرزوق: وهو ظاهر المدونة.

(و) عزر (من أساء على خصمه) في مجلس القضاء بقبيح، نحو: فاجر وظالم وفاسق وكذاب، وأولى ما كان أعظم من ذلك كالسب القبيح، ولا يحتاج في ذلك لبينة، بل يستند في ذلك لعلمه؛ لأن مجلس القضاء يصان عن ذلك. والحق في ذلك لله فلا يجوز للقاضي تركه، وأما في غير مجلس القضاء فلا بد من الثبوت ببينة أو إقرار. (أو) أساء على (مفت) نحو أنت تفتي بالباطل أو: بهواك ونحو ذلك. (أو) أساء على (شاهد) نحو: مزور وتشهد بالزور. (لا بشهدت): أي لا يعزر بقوله لمن شهد عليه شهدت (بباطل) بخلاف زور؛ لأنه لا يلزم من الباطل الزور إذ الباطل أعم من الزور؛ لأن الباطل بالنسبة للواقع والزور بالنسبة لعلم الشاهد، فقد يشهد بشيء يعلمه ويكون المدعى عليه قد قضاه أو أحيل عليه به أو أبرئ منه أو عفي عنه، ولا ضرر على الشاهد بذلك، بخلاف الزور فإنه تعمد الإخبار بما لم يعلم (ولا بكذبت لخصمه) أي ولا يعزر بقوله لخصمه: كذبت أو: ظلمتني، بخلاف كذاب وظالم كما تقدم.

(وأمر) القاضي أولاً عند إقامة الدعوى (مدعياً) وهو من (تجرد عن أصل أو معهود بالكلام) متعلق "بأمر" أي: يأمر المدعي ابتداء بالكلام بإقامة دعواه، والمدعي: هو الذي تجرد قوله عن أصل أو معهود عرفاً يصدقه حين دعواه، فلذا طلبت منه البينة لتصديقه كطالب دين على آخر أو جناية، أو ادعى على غيره بفعل من الأفعال، كطلاق أو عتق أو قذف فإن الأصل والمعهود عدم ما ذكر. وإنما يأمر المدعي إذا علمه ولو بقوله لهما: من المدعي منكما؟ فقال أحدهما: أنا، وسلم له الآخر. وسيأتي أن المدعى عليه هو من ترجح قوله بأصل أو معهود (وإلا) يعلم المدعي منهما بأن قال كل: أنا المدعي (فالجالب) لصاحبه عند القاضي هو الذي يؤمر بالكلام ابتداء؛ لأن الشأن أن الجالب هو الطالب (وإلا) يكن جالب بأن جاءا معاً (أقرع) بينهما، فمن خرج سهمه بالتقدم قدم.

ــ

خليل بالتردد الطريقتان، الطريقة الأولى تقول: إن كان ظاهر الصلاح حين شهد بالزور لا تقبل له شهادة بعد ذلك اتفاقاً، لاحتمال بقائه على الحالة التي كان عليها، وإن كان غير مظهر للصلاح حين الشهادة ففي قبول شهادته بعد ذلك إذا ظهرت توبته قولان. وهذه طريقة ابن عبد السلام، والطريقة الثانية عكسها لابن رشد قال في الحاشية نقلاً عن التتائي: وطريقة ابن عبد السلام أنسب بالفقه وطريقة ابن رشد أقرب لظاهر الروايات، فإن شهد قبل التوبة لم تقبل اتفاقاً، لأنه فاسق. وإن شهد بعدها وقبل التعزير فمقتضى العلة جرى التردد فيه، وكذا هو ظاهر كلام المواق وأفاد ذكر التردد فيمن فسقه بالزور أنه لو كان فسقه بغيره ثم شهد بعد ما تاب فإنه يقبل اهـ وهو مقتضى قوله تعالى في سورة النور: {إلا الذين تابوا} [النور: ٥] الآية.

قوله: [وقيل له حلق لحيته] أي لقول عمر بن عبد العزيز: تحدث للناس أقضية على حسب ما أحدثوه من الفجور والبدع.

قوله: [بقبيح]: متعلق بأساء والتعزير يكون على حكم مقتضى الشرع، فإن كان فيه قذف لعفيف أقام عليه الحد.

قوله: [وفاسق]: الأولى تأخيره وجعله مثالاً للسب القبيح.

قوله: [ولا يحتاج في ذلك لبينة]: اسم الإشارة عائد على ما ذكر من الإساءة.

قوله: [بل يستند في ذلك لعلمه]: اعلم أن هذه المسائل الأربع وهي تأديب القاضي لمن أساء عليه، أو على خصمه، أو على الشاهد، أو على المفتي بمجلسه مستنداً لعلمه، تزاد على قولهم: لا يجوز للقاضي أن يستند لعلمه إلا في التعديل والتجريح.

قوله: [وأما في غير مجلس القضاء]: أي ولا يستند فيهما القاضي لعلمه.

قوله: [بخلاف زور]: في المواق ابن كنانة لو قال: شهدت علي بزور فإن عنى أنه شهد عليه بباطل لم يعاقب، وإن قصد أذاه وإشهاره بأنه مزور نكل بقدر حال الشاهد والمشهود عليه اهـ ويقبل قوله فيما أراده إلا لقرينة تكذبه اهـ (عب).

قوله: [بالنسبة لعلم الشاهد]: أي فبين الزور والباطل عموم وخصوص وجهي، فإذا شهد بما هو خلاف الواقع كان باطلاً وزوراً، وإذا شهد بخلاف الواقع وكان يعتقد أنه الواقع كان باطلاً لا زوراً، وإذا شهد بما هو مطابق للواقع وهو لا يعلم به كان ذلك زوراً لا باطلاً.

قوله: [بما لم يعلم]: أي بثبوته بل إما علم عدمه أو لم يعلم شيئاً؛ لأن الشهادة مع الشك زور.

قوله: [بخلاف كذاب وظالم]: الفرق بينه وبين ما قبله أن قوله: كذبت تعلق بخصوص دعوته وليس فيه انتهاك لمجلس الشرع. بخلاف كذاب وظالم فإنه لا تعلق له بالخصومة، بل فيه مشاتمة للخصم عامة وهذا انتهاك لحرمة الشرع.

قوله: [وأمر القاضي]: أي وجوباً.

قوله: [بالكلام]: متعلق بـ "أمر" والباء للتعدية.

وقوله: [بإقامة]: متعلق بـ "أمر" أيضاً والباء للتصوير فاختلف معنى الباءين.

قوله: [تجرد قوله عن أصل أو معهود]: أي وليس مجرداً عن كل شيء فإن المدعي متمسك بالبينة فلا يقال: إن دعواه مجردة عن جميع المستندات، بل عن شيء خاص وهو الأصل أو المعهود.

قوله: [فإن الأصل والمعهود عدم ما ذكر]: أي لأن الأصل في الأشياء العدم.

قوله: [ولو بقوله لهما]: أي هذا إذا كان علمه بأمر سابق بل ولو بقوله لهما إلخ.

قوله: [من ترجح قوله بأصل] إلخ: أي لكونه ضد المدعي.

قوله: [أقرع بينهما]: أي فيمن

<<  <  ج: ص:  >  >>