وقال ابن عرفة: مقتضى جعله فتوى أن لمن ولي بعده أن ينقضه ضرورة أنه لم يحكم به الأول. والظاهر أنه لا يجوز للثاني نقضه. اهـ.
(ولا يتعدى) حكم الحاكم في نازلة (لمماثل) لها (بل إن تجدد) المماثل (فالاجتهاد) منه أو من غيره إن كان من أهل الاجتهاد فإن كان مقلداً فليحكم بما حكم به أولاً من راجح قول مقلده، ولغيره من أرباب المذاهب أن يحكم بضده، كما لو حكم مالكي بفسخ نكاح من زوجت نفسها بلا ولي، ثم تجدد مثلها فرفعت الأخرى لحنفي فإنه يحكم بصحته وكل منهما ارتفع فيها الخلاف ولم يجز لأحد نقضه. وقولنا: "ولا يتعدى لمماثل" إلخ: أي ولو في الذات المحكوم فيها أولاً؛ كما إذا فسخ نكاح من زوجت نفسها لكونه يرى ذلك. ثم زوجت نفسها بعد الفسخ لنفس ذلك الزوج بلا ولي؛ فإنه معرض للاجتهاد منه أو من غيره، فله تصحيح الثاني إن تغير اجتهاده، ولغيره - كالحنفي - الحكم بتصحيحه ويرتفع الخلاف أيضاً.
و(كأن حكم في نازلة بمجرد الفسخ) دون التأبيد، وإن كان يرى حين حكمه بمجرد الفسخ تأبيد التحريم (كفسخ) لنكاح (برضع) طفل (كبير) أي بسببه؛ والكبير: من زاد عمره على عامين وشهرين، فلو تزوج ببنت من أرضعته كبيراً فرفع لمن يرى التحريم برضع الكبير ففسخه، ثم تزوجها ثانياً، كان النكاح الثاني مماثلاً لا يتعدى له الحكم الأول وصار هذا معرضاً للاجتهاد، فلمن حكم بفساده إن تغير اجتهاده أو لغيره الحكم بصحته. (أو) فسخ بسبب (عقد نكاح بعدة): أي في عدة وإن كان يرى هو تأبيد التحريم حين فسخه، فإذا عقد عليها ثانياً بعد الفسخ (فهي): أي المنكوحة ثانياً المفسوخ نكاحها أولاً في المسألتين (كغيرها) ممن لم يتقدم عليها فسخ (في المستقبل): فله أو لغيره أن يزوجها لمن فسخ نكاحه ويحكم بصحته إذا تغير اجتهاده.
(ولا يستند) الحاكم في حكمه (لعلمه): بل لا بد من بينة أو إقرار (إلا في العدالة): كشاهد علم القاضي بعدالته فيستند لعلمه (والجرح) بفتح الجيم: فيستند لعلمه (كالشهرة بذلك) أي بالعدالة والجرح فيستند لها، إلا أن يعلم القاضي منه خلاف ما اشتهر. شهد المزني عند القاضي بكار فقال له: من أنت؟ فقال المزني: صاحب الشافعي. فقال القاضي: الاسم اسم عدل، ومن يشهد أنك المزني؟ فقال الحاضرون: هو المزني، فحكم بشهادته. فقال المزني: سترني القاضي ستره الله تعالى. (أو إقرار الخصم) المشهود عليه (بالعدالة) لمن شهد عليه فيحكم بها، ولو علم القاضي خلاف ذلك، لأن إقرار الخصم بعدالة الشاهد كالإقرار بالحق.
ــ
ليس بحكم انتهى، فمفهوم قوله "من غير قصد إلى فسخ هذا النكاح" إن قصد الفسخ بهذا اللفظ يعد حكماً.
قوله: [وقاله ابن عرفة] إلخ: هذا فيه إجمال لأنه يحتمل أنه موافق للمفصل أو للمطلق، فعلى طريقة المفصل يقال فيه إن تقدمه دعوى فحكم قطعاً ولا يجوز نقضه وإن لم يتقدمه دعوى فجواز نقضه ظاهر لأنه فتوى.
تنبيه: قول القاضي ثبت عندي صحة البيع أو فساده أو ملك فلان بسلعة كذا ونحو ذلك لا يعد حكماً كما في التوضيح خلافاً لبعض القرويين وقد ألف المازري جزءاً في الرد عليه قال ابن عرفة والحق أنه مختلف فيه على قولين كذا في (بن).
قوله: [فالاجتهاد منه]: أي مثل واقعة عمر في الحمارية.
قوله: [من راجح قول مقلده]: أي ما لم يكن من أهل الترجيح وظهر له أرجحية غير ما حكم به أولاً فيحكم ثانياً بغير ما حكم به أولاً.
قوله: [ثم تجدد مثلها]: أي ولو في عين تلك المرأة كما يأتي في الشارح.
قوله: [ثم زوجت نفسها]: أي جددت عقداً آخر.
قوله: [وكأن حكم]: قدر الواو لأجل المثال الذي قدمه في قوله "كما لو حكم مالكي" إلخ فمزجه مع المتن وجعل مثاله معطوفاً عليه وإلا فالمصنف في حد ذاته غير محتاج لتقدير الواو، وهذه الأمثلة للمتجدد المعرض للاجتهاد.
قوله: [وإن كان يرى] إلخ: أي لكن لم يقصد بعد بالحكم عند الفسخ التأييد وإلا فليس لغيره حكم بالتحليل في المستقبل.
قوله: [فلو تزوج ببنت من أرضعته كبيراً]: لا مفهوم بالتزوج ببنتها بل كذلك التزوج بها لأن من يرى التحريم في التزوج ببنتها يقول: إنها أخته وفي التزوج بها يقول: إنها أمه.
قوله: [في المسألتين]: هكذا قال الشارح تبعاً لأصوله قال ابن عرفة: هذا هو صواب في مسألة العدة لا في مسألة رضاع الكبير فإن الحكم بالفسخ في رضاع الكبير يمنع من تجدد الاجتهاد فيها؛ لأن مستنده فيها أن رضع الكبير يحرم ومن المعلوم أن ثبوت التحريم لا يكون إلا مؤبداً. بخلاف فسخ النكاح في العدة فإن مستنده تحريم النكاح فيها، وقد وقع الخلاف في كونه مؤبداً أو لا انتهى.
قوله: [ولا يستند الحاكم في حكمه لعلمه]: أي ولو مجتهداً ولو كان من أهل الكشف، ومن الضلال البين الاعتماد في التهم على ضرب المندل ونحوه.
قوله: [إلا أن يعلم القاضي منه خلاف ما اشتهر] إلخ: حاصل التحرير في هذه المسألة أن القاضي إذا علم عدالة شاهد تبع علمه ولا يحتاج لطلب تزكية ما لم يجرحه أحد وإلا فلا يعتمد على علمه لأن غيره علم ما لم يعلمه وإذا علم جرحة شاهد فلا يقبله ولو عدله غيره ولو كان المعدل له كل الناس لأنه علم