للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بين الأمرين، وهو المعتمد الذي به العمل وعليه أبو الحسن والباجي والمتيطي وابن فتوح وغيرهم.

قال ابن فتوح: شهادة السماع لا تكمل إلا أن ينضم فيها أهل العدل وغيرهم، على هذا مضى عمل الناس، ونقله ابن عرفة وأقره وقال ابن القاسم وجماعة: يكفي أحد اللفظين، وشهر أيضاً واعلم أن بينة السماع إنما جازت للضرورة لأنها على خلاف الأصل؛ إذ الأصل أن الإنسان لا يشهد إلا بما علم مما تدركه حواسه كما قاله أبو إسحاق. وإذا شهدت بسماع الملك لحائز لم ينزع ذلك الشيء من يد حائزه. ولا يشترط سماعهم بالتصرف فيه تصرف الملاك ولا طول الحيازة -خلافاً لما قاله الشيخ- فإنه لا قائل به في المذهب، وإنما سبق فهمه له من كلام الجواهر بلا تأمل؛ لأن كلام الجواهر في بينة البت بالملك، وستأتي له في الحيازة بقوله: "وصحة الملك بالتصرف" إلخ ذكره المحشي.

(وقدمت بينة البت) بالملك على بينة السماع، فإذا شهدت بينة بأنا لم نزل نسمع من الثقات وغيرهم بأن هذه الدار أو هذا العبد لهذا الحائز، وشهدت أخرى بتاً بأنه لغيره ممن يدعيه، قدمت بينة البت ونزع من يد الحائز، وأعطي لمن ادعاه وأقام بينة [١] البت.

(إلا أن تشهد بينة السماع بنقل الملك) لذلك الشيء المدعى به (من كأبي القائم) المدعي أنه له، وأقام بينة البت فتقدم بينة السماع، يعني: أن محل تقديم بينة البت ما لم تشهد بينة السماع بأن ذلك الشيء المتنازع فيه قد انتقل بملك جديد من أبي القائم أو جده بشراء أو هبة أو صدقة. والموضوع أن صاحب بينة السماع حائز للشيء المتنازع فيه، وإلا قدمت بينة البت.

والكلام في حيازة لا يثبت بها الملك، إما لقصرها، وإما لكون المدعي القائم على الحائز كان غائباً أو حاضراً قام به مانع. وأما الحاضر الذي لا مانع له إذا سكت العشر سنين فلا تسمع له دعوى ولا بينة في العقار، وكذا غيره على التفصيل الآتي ذكره إن شاء الله.

وهاهنا بحث قوي: وهو أنه إذا كانت دعوى القائم على الحائز مجردة فالحوز كاف في دفعها من غير احتياج إلى بينة بسماع، وكذا إذا كان مع دعوى القائم بينة سماع؛ لأنه لا ينزع بها من يد حائز، فإن كان معها بينة قطع فبينة السماع للحائز لا تنفعه إلا بسماع أنه اشتراها من كأبي القائم فلم يبق لقولكم بملك لحائز محل.

(وبموت غائب) عطف على "بملك لحائز" أي وجازت بسماع فشا بموت غائب (بعد) كأربعين يوماً، وألحق بها الشهر فيثبت موته ببينة السماع (أو) لم يطل، و (طال زمن سماعه) أي الموت، وأما إذا لم يطل الزمن فلا يثبت بالسماع ولا بد من بينة القطع كالحاضر لسهولة الكشف عن حاله.

(أو بوقف) فيثبت ببينة السماع؛ فإذا شهدت بينة سماع بأن هذا وقف على فلان الحائز له أو على فلان -وليست الذات بيد أحد- ثبت بها الوقف وأما لو كانت بيد حائز يدعي ملكها ففيه خلاف قيل: لا ينزع بها من يد الحائز كالملك، وقيل: ينزع ترجيحاً لجانب الوقف، ورجح.

ثم أشار إلى شروط إفادة بينة السماع بقوله: (إن طال الزمن): أي زمن السماع

ــ

قوله: [بين الأمرين]: أي الثقات وغيرهم.

قوله: [وشهر أيضاً]: اعلم أن الخلاف الثابت في نطق الشهود كما علمت، وأما اعتمادهم ففيه طريقتان: الأولى تحكي الخلاف أيضاً فقيل: لا تقبل شهادة السماع إلا إذا اعتمد الشهود على سماع فاش من الثقات وغيرهم، وقيل: يكفي في قبولها اعتمادهم على سماع فاش من الثقات أو غيرهم، والطريقة الثانية تقول: الخلاف إنما هو في نطق الشهود، أما الاعتماد فلا بد من السماع الفاشي من الثقات وغيرهم قولاً واحداً، وهذه الطريقة هي التي مال إليها (بن) حيث قال: الذي يفيده كلام الأئمة أن الخلاف إنما هو في التعلق لا في الاعتماد اهـ.

قوله: [مما تدركه حواسه]: أي بلا واسطة.

قوله: [خلافاً لما قاله الشيخ]: يعني خليلاً حيث قال: " وجازت بسماع فشا عن ثقات وغيرهم بملك الحائز وتصرف طويل " اهـ.

قوله: [ذكره المحشي]: مراده به (بن) نقلاً عن (ر).

قوله: [أو أهذا العبد]: هكذا نسخة المؤلف بهمزة قبل هذا ومقتضى الظاهر حذف تلك الهمزة

قوله: [ونزع من يد الحائز]: أي والكلام في حيازة لا يثبت بها الملك وإلا لم ينزع من يد الحائز كما سيأتي.

قوله: [إلا أن تشهد بينة السماع] إلخ: تحصل أنه لا تقدم بينة الملك على بينة السماع إلا بشرطين: أن لا تمضي مدة الحيازة التي ثبت بها الملك، وأن لا تشهد بينة السماع بنقل الملك من كأبي القائم.

قوله: [أو حاضراً قام به مانع]: أي كالخوف من الحائز.

قوله: [إذا سكت العشر سنين]: أي بالنسبة للأجانب الغير الشركاء، وأما الأقارب فما زاد عن الأربعين. وسيأتي إيضاح ذلك في آخر الباب إن شاء الله تعالى.

قوله: [مجردة]: أي عن بينة البت أو السماع.

قوله: [في دفعها]: الضمير يعود على الدعوى.

قوله: [فإن كان معها]: أي مع دعواه

قوله: [لا تنفعه]: أي لا تثبت له ملكاً.

قوله: [إلا بسماع]: أي أو بالحيازة الشرعية كما تقدم.

قوله: [بعد]: أي ببلد بعيدة. وجهل المكان كبعده فيما يظهر قوله: [أو لم يطل]: أي لم يبعد البلد.

وقوله: [وطال زمن سماعه]: أي كعشرين سنة كما يأتي بعد في ذكر شروط بينة السماع.

قوله: [قيل لا ينزع بها من يد الحائز]: أي وهو قول اللخمي والتوضيح، واقتصر عليه بهرام والبساطي.

وقوله: [وقيل ينزع]: وهو ما لابن عرفة وبه أفتى


[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[١] في ط المعارف: (ببينة).

<<  <  ج: ص:  >  >>