(أدب) لافتياته على الإمام (ولا دية له) أي لولي الدم (إن عفا) عن الجاني (وأطلق) في عفوه: أي لم يقيد بدية ولا غيرها، فيقضى بالعفو مجرداً عن الدية.
(إلا أن) تظهر بقرائن الأحوال (إرادتها) أي مع الدية حال العفو ويقول: إنما عفوت لأخذ الدية (فيحلف) أي فيصدق بيمينه.
(ويبقى) الولي بعد حلفه (على حقه) في القصاص (إن امتنع الجاني من دفعها) وإلا دفعها وتم العفو قال في المدونة: قال مالك: لا شيء لك إلا أن يتبين أنك أردتها، فتحلف أنك ما عفوت إلا لأخذها، ثم لك ذلك. اهـ. وظاهرها الإطلاق: أي تبين بالقرائن حال العفو إرادتها وادعى ذلك حلف مطلقاً بالقرب أو بعد طول وقال أصبغ وابن الماجشون وغيرهما: يقبل إلا إذا قام بالحضرة، لا إن قام بعد طول وهل هو قيد لها أو خلاف؟ وهو ظاهر كلام الباجي، وأن المشهور ظاهرها من الإطلاق (كعفوه) أي ولي الدم (عن عبد) قتل غيره من حر أو رقيق، وقال: إنما عفوت لأخذه، وأخذ قيمة المقتول أو ديته إن كان حراً، فلا شيء له، إلا أن تظهر إرادة ذلك، فيحلف ويبقى على حقه إن امتنع سيده من الدفع المذكور، فالتشبيه تام، قاله ابن مرزوق، والمعتمد: أنه إن حلف فليس لسيده امتناع بل يخير أن يدفع العبد أو قيمته أو قيمة المقتول أو ديته.
(واستحق) الولي (دم من قتل القاتل) فلو قتل زيد عمراً، فقتل أجنبي زيداً فولي عمرو يستحق دم الأجنبي القاتل لزيد، إن شاء عفا وإن شاء اقتص، ولا كلام لولي زيد على قاتله.
(و) استحق مقطوع عضو (من قطع القاطع) له عمداً عدواناً، كما لو قطع زيد يد عمرو فقطع أجنبي يد زيد، فعمرو يستحق يد الأجنبي ولا كلام لزيد هذا في العمد.
(و) استحق من ذكر في الخطأ (دية الخطأ) من الأجنبي على عاقلته والقطع على ما سيأتي.
(فإن أرضاه) أي الولي (ولي) المقتول (الثاني) كما لو أرضى ولي زيد وهو المقتول الثاني في المثال ولي عمرو المقتول أولاً (فله) أي فيصير دم القاتل الثاني -الذي هو الأجنبي- لولي المقتول الثاني، الذي هو زيد، إن شاء عفا وإن شاء اقتص.
ثم بين شرط الجناية التي بها القود بقوله (إن تعمد) الجاني (ضرباً لم يجز) بمحدد بل (وإن بقضيب) أي عصا أو سوط أو نحوهما مما لا يقتل به غالباً وإن لم يقصد قتله أو قصد زيداً فإذا هو عمرو، وقوله: "لم يجز" احترز به من التأديب الجائز من حاكم أو معلم أو والد فلا قود فيه، لأنه ليس بعدو (أو مثقل) كحجر لا حد فيه
ــ
فلذلك قال في آخر العبارة: "وهو خلاف المذهب" وإن كان وجيهاً لظاهر قوله تعالى: {ومن قتل مظلوماً فقد جعلنا لوليه سلطاناً} [الإسراء: ٣٣].
قوله: [أدب لافتياته على الإمام]: محل أدبه حيث كان الحاكم ينصفه.
قوله: [أي تبين]: المناسب أن يزيد إن بعد أي.
قوله: [وأن المشهور ظاهرها من الإطلاق]: أي فالمدار على القرينة
قوله: [فيحلف ويبقى]: أي طال الأمر أم لا.
قوله: [فالتشبيه تام]: حاصله أنه إذا كان المقتول عبداً والقاتل عبداً خير سيد القاتل بين أن يدفعه لأولياء الدم أو يدفع لهم قيمته، أو قيمة المقتول وإن كان المقتول حراً، خير سيد القاتل بين أن يدفعه لأولياء الدم أو يدفع لهم قيمته، أو يدفع لهم الدية، ومحل الخيار إن لم يعف ولي المقتول مجاناً، فإن عفا وقال: أردت أخذه أو أخذ قيمة المقتول أو ديته كان كما قال الشارح.
قوله: [ولا كلام لولي زيد]: أي ولو عفا عنه ولي عمرو.
قوله: [ولا كلام لزيد]: أي ولو عفا عنه عمرو.
قوله: [هذا]: أي ما ذكر من استحقاق دم من قتل القاتل وعضو من قطع القاطع.
قوله: [واستحق من ذكر في الخطأ]: المراد بمن ذكر ولي المقتول الأول أو نفس المقطوع الأول.
وقوله: [في الخطأ]: أي الجناية الثانية خطأ والأولى عمد على كل حال.
وأما لو كانت الأولى خطأ والثانية خطأ لكان الأول يتبع عاقلة الأول، والثاني يتبع عاقلة الثاني، فتحصل أن التفصيل الذي قاله المصنف والشارح موضوعه في كون الجناية الأولى عمداً والثانية إما عمداً وإما خطأ.
والحاصل أن الصور ست عشرة؛ لأن الجناية الأولى إما على النفس أو الطرف، وفي كل إما عمداً وإما خطأ، والثانية مثلها وأربعة في مثلها بست عشرة صورة موضوع المصنف، والشرح هنا في أربعة وهي ما إذا كان المجني عليه الأول عمداً في النفس والثاني عمداً أو خطأ في النفس أو المجني عليه الأول عمداً في الطرف، والثاني عمداً أو خطأ في الطرف، وانظر باقي تفصيل المسألة في فروع المذهب.
قوله: [أي الولي]: بالنصب تفسير للضمير البارز وهو مفعول مقدم.
وقوله: [ولي المقتول]: فاعل مؤخر
قوله: [ثم بين شرط الجناية] إلخ: شروع في الركن الثالث وهو الفعل الموجب للقصاص، فتارة يكون بالمباشرة وهو ما هنا، وتارة يكون بالسبب وسيأتي.
قوله: [أو قصد زيداً فإذا هو عمرو]: أي والحال أن كلاً يمتنع قتله وأما لو كان قاصداً زيداً الحربي مثلاً فإذا هو عمرو المسلم فخطأ.
واعلم أن القتل على أوجه: الأول أن لا يقصد ضرباً، كرميه شيئاً أو حربياً فيصيب مسلماً فهذا خطأ بإجماع فيه الدية والكفارة. الثاني أن يقصد الضرب على وجه اللعب فهو خطأ على قول ابن القاسم وروايته في المدونة خلافاً لمطرف وابن الماجشون، ومثله إذا قصد به الأدب الجائز بأن كان بآلة يؤدب بها، وأما إن كان الضرب للنارية والغضب فالمشهور