للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فقد ورث القاتل دم نفسه كله وكذا لو ورث بعض الدم، كما قال: (ولو قسطاً) كما لو كان غير القاتل أكثر من واحد مات أحدهم عن القاتل وغيره، فقد ورث القاتل بعض دم نفسه، فيسقط القصاص [١]، ولمن بقي نصيبه من الدية.

هذا إن استقل الباقي بالعفو، وأما لو عفا من لا يستقل بالعفو فلا يسقط القود عمن ورث قسطاً إلا بعفو الجميع أو بعض من كل، كما لو قيل [٢] شقيق أخاه وترك المقتول بنات وثلاثة إخوة أشقاء غير القاتل فمات أحد الثلاثة فقد ورث القاتل قسطاً ولا يسقط القود إلا بعفو إلخ.

(وإرثه) أي القصاص (كالمال) أي كإرث المال في الجملة؛ لأنه لا دخل في ذلك لزوجة ولي الدم ولا لزوج من لها كلام فإذا مات ولي الدم عن بنت وابن وأم فينزل ورثته منزلته وللبنت والأم التكلم لأنهما ورثاه عمن له التكلم وليس كالاستيفاء؛ إذ من قتل وترك ابناً وبنتاً لا كلام للبنت على الراجح، وقيل كالاستيفاء.

(وجاز صلحه) أي الجاني مع ولي الدم (في) القتل (العمد) ومع المجني عليه في الجرح العمد (بأقل) من دية المجني عليه (أو أكثر) منها حالاً ومؤجلاً بذهب أو فضة أو عرض؛ لأن الراجح أنها في العمد غير متقررة.

(والخطأ كبيع الدين) مبتدأ وخبر فيجوز الصلح حيث لا مانع كبنقد عن إبل حال، أما لو وجد مانع فلا يجوز؛ لأن دية الخطأ مال متقرر في الذمة وما صولح به عنها مال مأخوذ عنها، فيجب مراعاة [٣] ما يجوز في بيع الدين؛ فلا يجوز صلح عن ذهب بورق وعكسه لأنه نسيئة في الصرف ولا أحدهما عن إبل وعكسه مؤجلاً لأنه فسخ دين في دين ولا بأقل من الدية نقداً، لأن فيه: ضعْ وتعجلْ، ولا بأكثر من أجلها للسلف من ولي الدم بزيادة من الجاني ولا فرق بين الصلح على النفس أو الجرح.

(وقتل) القاتل (بما قتل) به (ولو ناراً) على المشهور لقوله تعالى: {وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به} [النحل: ١٢٦]، وقوله تعالى: {فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم} [البقرة: ١٩٤] والمعنى: أن الحق في القتل للولي

ــ

أي وعفا أحد الوالدين أو هما مرتبين.

واعلم أن ما ذكره الشارح من التفصيل محمول على ما إذا وقع العفو مجاناً، أما إذا وقع على مال فلمن بقي من الورثة نصيبه من الدية وإن لم يكن له تكلم سواء وقع الإسقاط مرتباً أو لا.

قوله: [فقد ورث القاتل دم نفسه كله]: أي وحيث ورث القاتل دم نفسه كلاً أو بعضاً صار معصوماً فلا يجوز لأحد قتله، وليس له أن يسلم نفسه للقتل وصار الحق لله وللمقتول، فحق الله يقبل بالتوبة وحق المقتول معجوز عن وفائه فعليه التضرع لله في إرضائه عنه وهذا بخلاف حد نحو الزنا من كل حد الحق فيه لله وحده فإنه لا يتوقف على ولي يطلبه بل متى ثبت عليه وجب على الحاكم إقامته وإن لم يثبت عليه جاز له أن يثبته على نفسه بالإقرار عند الحاكم فيجب على الحاكم إقامته وجاز له الستر وإخلاص التوبة لله.

قوله: [ولو قسطاً] إلخ: قال في المدونة: إن ورث القاتل أحد ورثة القتيل بطل قوده لأنه ملك من دمه حصة، وقال أشهب: لا يسقط القود عن الجاني إذا ورث جزءاً من دم نفسه إلا إذا كان من بقي يستقل الواحد منه بالعفو، وأما إذا كان لا يستقل الواحد منهم بالعفو ولا بد في العفو من اجتماعهم فلا يسقط القود عن الجاني الوارث لجزء من دمه فإذا علمت ذلك فكان على الشارح أن يمشي على كلام ابن القاسم من عدم التقييد، فإن المعتمد بقاؤه على إطلاقه كما قاله (بن) قوله: [هذا إن استقل الباقي بالعفو]: أي بأن كان الباقي إخوة فقط متساوين وقد علمت أن هذا التقييد لأشهب.

قوله: [إلا بعفو] إلخ: أي إلا بعفو الجميع أو بعض من كل.

قوله: [لا كلام للبنت على الراجح]: أي كما هو قول ابن القاسم.

وقوله: [وقيل كالاستيفاء] أي وهو قول أشهب.

قوله: [وجاز صلحه]: لما قدم أن العمد لا عقل فيه مسمى وإنما يتعين فيه القود على الوجه المتقدم نبه هنا على أنه يجوز الصلح فيه بما شاء الولي والإضافة في صلحه من إضافة المصدر لفاعله، أي جاز أن يصالح الجاني ولي الدم أو المجروح في جناية العمد بأقل إلخ.

قوله: [مبتدأ وخبر]: أي فالخطأ مبتدأ والجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر أي كائن في حكمه كبيع الدين.

قوله: [حال]: صفة لنقد، وأما بنقد مؤجل عن الإبل التي في الذمة فلا يجوز لما فيه من فسخ الدين في الدين، ولا مفهوم لإبل بل يجوز الصلح عن دية الخطأ بحال معجل في جميع الأقسام إن لم يكن فيه ضع وتعجل.

قوله: [لأنه نسيئة في الصرف]: أي صرف ما في الذمة.

قوله: [مؤجلاً]: راجع لقوله "أحدهما".

قوله: [نقداً]: أي معجلاً قبل مجيء أجله.

قوله: [ولا بأكثر من أجلها]: في الكلام سقط والأصل لأبعد من أجلها.

قوله: [للسلف من ولي الدم]: المراد بالسلف التأخير في الأجل وزيادة الجاني ظاهرة.

قوله: [ولا فرق بين الصلح على النفس أو الجرح]: أي في جميع الأقسام

قوله: [ولو ناراً]: أي ولو كان المقتول به ناراً ورد بـ "لو" على عبد الملك القائل إنه لا يقتل بالنار لحديث: «لا يعذب بالنار إلا رب النار». فعلى المشهور يكون القصاص بالنار مستثنى من النهي عن التعذيب بها.

قوله: [فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم]: تسمية القصاص اعتداء مشاكلة لأن حقيقة الاعتداء الخروج عن الحدود وهو فاحشة والله لا يأمر بها.


[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[١] ليست في ط المعارف.
[٢] في ط المعارف: (قتل)، ولعلها الصواب.
[٣] ليست في ط المعارف.

<<  <  ج: ص:  >  >>