للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وقوله: (وبها احتج الشافعي) بناء على أنها لو أحبطت الأعمال مطلقا لما كان للتقييد بقوله: {فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ} فائدة، لا بناء على أنه جعل شرطا في الإحباط.

وعنده لا ينتفي المشروط؛ لأن الشرط النحوي والتعليقي ليس بهذا المعنى، بل غايته السببية والملزومية، وانتفاء السبب أو الملزوم لا يوجب انتفاء المسبب واللازم؛ لجواز تعدد الأسباب.

ولو كان شرطا بهذا المعنى، لم يتصور خلاف في القول بمفهوم الشرط.

واحتج أبو حنيفة بقوله: {وَمَن يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ} (١).

وأجيب: بأنه يحمل على المقيد؛ عملا بالدليلين.

ورد: بأن ذلك إنما يكون إذا كان القيد في الحكم، واتحدت الحادثة، وأما في السبب فلا؛ لجواز أن يكون المطلق سببا كالمقيد، وتمام ذلك في الأصول (٢).

وقيل: ثمرة الخلاف تظهر: فيمن صلى، ثم ارتد - نعوذ بالله (٣) - ثم أسلم، يلزمه عند أبي حنيفة قضاء تلك الصلاة، خلافا للشافعي. وفيه نظر." (٤) أهـ

وكتب (ع) على قول (ق):

" (في إحباط الأعمال) هذا مبني على أن قوله: {أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ} تذييل معطوف على الجملة الشرطية (٥)، أما لو كان معطوفا على الجزاء، فتكون مجموع الإحباط والخلود في النار مترتبا على الموت على الردة، فلا يتم تمسك الشافعي حينئذ.

والمراد: الأعمال السابقة على الارتداد، إذ لا معنى لحبوط ما لم يفعل، فلا معنى لما قيل.


(١) سورة: المائدة، الآية: ٥.
(٢) أي: كتب أصول الفقه. ينظر: أصول السرخسي (١/ ٧٥) [لمحمد بن أحمد، شمس الأئمة السرخسي ت: ٤٨٣ هـ، دار المعرفة - بيروت]، تقويم النظر في مسائل خلافية ذائعة (١/ ٣١٧) [لابن الدَّهَّان محمد بن علي، أبي شجاع، ت: ٥٩٢ هـ، تحقيق: د. صالح الخزيم، مكتبة الرشد - السعودية، ط: الأولى، ١٤٢٢ هـ - ٢٠٠١ م]، فصول البدائع في أصول الشرائع (١/ ٢٩٩) [لمحمد بن حمزة الفناري ت: ٨٣٤ هـ، تحقيق: محمد إسماعيل، دار الكتب العلمية، بيروت، ط: الأولى، ٢٠٠٦ م - ١٤٢٧ هـ].
(٣) في ب بزيادة: تعالى.
(٤) مخطوط حاشية سعد الدين التفتازاني على الكشاف لوحة (١٣٦ / أ - ب).
(٥) قال الإمام أبو حيان في " البحر المحيط " (٢/ ٣٩٤) ما ملخصه: " {وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}، هَذِهِ الْجُمْلَةُ يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ ابْتِدَاءَ إِخْبَارٍ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى بِخُلُودِ هَؤُلَاءِ فِي النَّارِ، فَلَا تَكُونُ دَاخِلَةً فِي الْجَزَاءِ وَتَكُونُ مَعْطُوفَةً عَلَى الْجُمْلَةِ الشَّرْطِيَّةِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ مَعْطُوفَةً عَلَى قَوْلِهِ: {فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ}، فَتَكُونَ دَاخِلَةً فِي الْجَزَاءِ؛ لِأَنَّ الْمَعْطُوفَ عَلَى الْجَزَاءِ جَزَاءٌ، وَهَذَا الْوَجْهُ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْقُرْبَ مُرَجَّحٌ، وَتَرَجَّحَ الْأَوَّلُ بِأَنَّهُ يَقْتَضِي الِاسْتِقْلَالَ."

<<  <   >  >>