(٢) يقصد: أن الله تعالى قال: {فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِن كُنتُم مِّن قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ (١٩٨) ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ} حيث إن الله تعالى أمرهم بالإفاضة أولا من عرفات، ثم أمرهم بذكر الله عند المشعر الحرام، ثم عطف الأمر بالإفاضة مرة ثانية على الأمر بالذكر، بحرف (ثم) الدال على التراخي، مع أن الإفاضتين كلتاهما من عرفات.(٣) معاني (ثم): ثمَّ: للْعَطْف مُطلقًا، سَوَاء كَانَ مُفردا أَو جملَة،وَإِذا ألحق التَّاء تكون مَخْصُوصَة بعطف الْجمل.وَفِي (ثمَّ) تراخ، وهو انقضاء مدة زمنية بين وقوع المعنى على المعطوف عليه، ووقوعه على المعطوف، وتحديد هذه المدة متروك للعرف. وَوُجُوب دلَالَة (ثمَّ) على التَّرْتِيب مَعَ التَّرَاخِي مَخْصُوص بعطف الْمُفْرد.والتراخي الرتبي لَيْسَ معنى (ثمَّ) فِي اللُّغَة، بل يُطلق عَلَيْهِ (ثمَّ) مجَازًا.وَقد تجِيء لمُجَرّد الاستبعاد، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا} [النحل: ٨٣].وَقد تجِيء بِمَعْنى التَّعَجُّب نَحْو: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ (١)} [الأنعام: ١].وَبِمَعْنى الِابْتِدَاء نَحْو: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا} [فاطر: ٣٢].وَبِمَعْنى الْعَطف وَالتَّرْتِيب نَحْو: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا} [النساء: ١٣٧].وَبِمَعْنى (قبل) نَحْو: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الأعراف: ٥٤]. أَي: فعل ذَلِك قبل استوائه على الْعَرْش.وبمعنى التدرج نحو: {ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (٤)} [التكاثر: ٤]، كَمَا فِي: (وَالله ثمَّ وَالله).وَقد تَجِيء لمُجَرّد الترقي نَحْو: (إِن من سَاد ثمَّ سَاد أَبوهُ ... ثمَّ قد سَاد قبل ذَلِك جده).وَقد تَجِيء للتَّرْتِيب فِي الْأَخْبَار، كَمَا يُقَال: (بَلغنِي مَا صنعت الْيَوْم ثمَّ مَا صنعت أمس أعجب) أَي: ثمَّ أخْبرك أَن الَّذِي صنعت أمس أعجب.=
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute