للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بمخلوق، وتقدم حكمُ الحلف بالمخلوق، وإلا جاز؛ لأنه مما يجري على اللسان بغير قصد؛ ويدل عليه: ما رواه مسلِم عن عروة قال: قلتُ لعائشة: ما أرى عليَّ جُناحًا أن لا أتطوَّفَ بين الصفا والمروة، قالت: «فلَعَمْري، ما أتمَّ اللهُ حجَّ مَنْ لم يطُفْ بين الصفا والمروة».

ومن ذلك الحلف بالأمانة لا يجوز؛ لأنه حلف بمخلوق.

مسألةٌ: الحلفُ بالكفر بالله ، مثال ذلك: أن يقول: إن فعَلَ كذا، أو: إن لم يفعل كذا، فهو يهوديٌّ أو نصراني، أو بَرِئَ من القرآن، أو يستحل الخمر، أو الزنا، ونحو ذلك، فهذا محرَّمٌ، ومعصية لله ، وتجب الكفارةُ بالحِنْثِ به.

ودليل ذلك: ما رواه البخاري ومسلِم، عن ثابت بن الضحَّاك ، عن النبي ، قال: «مَنْ حلَفَ بملةٍ غير الإسلام كاذبًا متعمِّدًا، فهو كما قال، ومَن قتل نفسَهُ بحديدةٍ، عُذِّبَ به في نار جهنَّمَ»، فسماه النبيُّ حَلِفًا.

مسألة: حكمُ الحلف بالطلاق والعَتاق والنَّذْرِ:

أمر النبيُّ بالحلفِ بالله أو الصمت، وهذا يقتضي النهيَ عن الحلف بغير الله، والنهيُ يقتضي التحريمَ، فإذا حلف الإنسانُ بالعَتاق والطلاق والنَّذْر والظِّهار، مما يَقصِد به الحث أو المنع، أو التصديق أو التكذيب، ولم يَقصِدِ التعليقَ المحض؛ كأن يقول: إن لم أسافِرِ اليوم إلى مكةَ، فزوجتي طالق، أو عبدي حرٌّ، أو عليَّ صيام شهر، أو زوجتي كظَهْرِ أمي، يَقصِد بذلك الحثَّ، ونحو ذلك، فهذا في حكمِ اليمين؛ ويدل عليه قوله تعالى: ﴿لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُّمُ الأَيْمَانَ﴾ [المَائدة: ٨٩]، قال ابن القيِّمِ: (فهذا صريح في أن كلَّ يمينٍ منعقدةٍ، فهذه كفَّارتُها).

<<  <   >  >>