قالت: فأخبرته الخبر فقال: خير أريد بى ثم صرف عنى ثم أنشأ يقول:
باتت همومى تسرى طوارقها ... أكفَّ عينى والدمع سابقها
مما أتانى من اليقين ولم ... أُوتَ برآة بُغْضِ ناطقهما
أم مَّن تلظى عليه واقدة النـ ... ـارِ محيطٌ بهم سرادقها
أم أسكُنِ الجنة التي وُعِد الأ ... برار مصفوفةٌ نمارقها
لا يستوى النزلان ثم ولا لأ ... عمال لا تستوى طرائقها
هما فريقان فرقة تدخل الجـ ... ـنة حفت بهم حدائقها
وفرقةٌ منهم قد أدخلت النا ... ر فسائتهم مرافقها
تعاهدت هذه القلوب إذا ... همت بخير عاقت عوائقهما
وصدها للشقاء عن طلب الجـ ... ـنة دنيا اللَّه ما حقها
عبدٌ دعا نفسه فعاتبها ... يعلم أن الصبر رامقها
فأرغب النفس في الحياة وإن ... تحيى قليلا فالموت لاحقها
يوشكٍ من فرَّ من منيته ... يوما على غرةٍ يوافقها
إن لم تمت غبطةً تمت هرما ... للموت كأسٌ والمرءُ ذائقها
قال: ثم انصرف إلى رحله فلم يلبث إلا يسيرا حتى طُعن في صيارته (١) فأتانى الخبر فانصرفت إليه فوجدته منعوشا قد سُجى عليه فدنوت منه فشهق شهقة وشق بصره ونظر نحو السعف ورفع صوته وقال: لبيكما لبيكما ها أنا ذا لديكما، لا ذو مال فيفدينى، ولا ذو أهل فتحمينى، ثم أغمى عليه إذ شهق شهقة فقلت قد هلك الرجل، فشق بصره نحو السعف فرفع صوته
(١) كذا بالأصل، وكتب المؤلف فوقها كلمة "كذا".