قلت: هذا باطل، بل لا شيء من هذا عندهم أصلا وهم أعلا وأجل من أن ينطقوا بمثل هذا الباطل المخالف للعقل والنقل، فإن الكذاب إذا روى خبرا ظن كذبه ولم يقبل منه، فإذا وافقه عليه ثقه معروف بالصدق زال ما كان يخشى من كذبه، وصار الخبر مقبولا صحيحا عقلا، لأنه إذا كان خبر الصادق مقبولا بدون موافقة الكذاب فلا تفيده موافقة الكذاب ردا، بل تزيده قوة، وهذا هو المنقول عن أهل الحديث والأصول، وكم حديث رواه الوضاعون وهو مخرج في الصحيحين من غير طريقهم؟ فتجد الحديث الواحد مذكورا في كتب الضعفاء محكوما على راويه بأنه كذاب، مع أن الحديث نفسه في صحيح البخارى، إما من ذلك الوجه الذي أتى به ذلك الكذاب أو من وجه آخر إلا أن المتن واحد، وكم حديث حكم ابن الجوزى بوضعه واتهم به راويا كذابا فتعقبه الحفاظ بأنه قد تابعه الثقات عليه، والمقصود أن ما قاله الشارح من أبطل الباطل الدال على أنه أبعد خلق اللَّه عن معرفة هذا الفن، فلا أدرى كيف اجترأ على كتابة شرح على شرح النخبة للحافظ مع الجهل التام بالفن، والواقع أنه سمع شيئًا ولم يتقنه ولا عرف المراد منه فاشتبه الأمر فيه عليه، وذلك أن المقرر عندهم في المتابعات والشواهد أنها تفيد الحديث قوة إذا كان المتابع بالكسر أقوى من المتابع بالفتح، أما إذا كان كل منهما في درجة واحدة أو كان المتابع بالكسر أضعف من المتابع فلا، فإذا روى الحديث كذاب وضاع عن مالك عن نافع مثلا والتمسنا له متابعا فوجدنا وضاعا آخر مثله رواه عن مالك أيضًا أو عن الليث عن نافع فهذه المتابعة لا تفيد شيئًا، لأن الوضاعين يسرقون الأحاديث ويركبون لها أسانيد