قلت: أما أولا: فمن عرف الشارح أن المصنف تابع في ذلك لعبد الحق في الأحكام، فإنه دائمًا يجعله فيما يأتيه ويذره تابعًا للناس، والواقع أنه قد يكون المصنف ما رآى ذلك الكتاب الذي نسب الشارح إليه أنه تبع صاحبه، كأنه لم يقف على الأصول أصلًا.
[[قاعدة جليلة]]
وأما ثانيًا: فإن بحث ابن القطان وتعقبه ضائع باطل، والصواب مع عبد الحق، فإن صيغة الحديث عند الدارقطنى [٣/ ٤٧] من رواية ابن أبي نعم البجلى عن أبي سعيد الخدرى قال: "نهى عن عسب الفحل"، فمن عرف ابن القطان أنه مبنى لما لم يسم فاعله، والواقع أنه مبنى للفاعل وهو النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، كما جرت عادتهم أن يحذفوه أحيانًا للعلم به ولاسيما أهل البصرة، فإن ذلك معروف من صنيعهم منصوص عليه في علوم الحديث، ويؤيده ورود التصريح به -صلى اللَّه عليه وسلم- في غير رواية الدارقطنى، قال الطحاوى في مشكل الآثار [٢/ ١٨٦، رقم ٧١١]:
حدثنا أحمد بن أبي عمران ثنا الحسن بن عيسى بن ماسرجس مولى ابن المبارك (ح)
وحدثنا يحيى بن عثمان بن صالح ثنا نعيم بن حماد قالا: حدثنا ابن المبارك عن سفيان الثورى عن هشام بن كليب -كذا قال: ابن كليب- عن ابن أبي نعم عن أبي سعيد الخدرى قال:"نهى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-" وذكره.
وأخرجه أيضًا [٢/ ١٨٦، رقم ٧٠٩] عن سليمان بن شعيب الكيسانى:
ثنا أبي ثنا أبو يوسف عن عطاء بن السائب عن ابن أبي نعم عن بعض أصحاب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أنه نهى عن عسب التيس، وكسب الحجام، وقفيز الطحان"، وهذا الطريق يبرئ أيضًا ساحة هشام بن كليب منه.