[أثر ابن الصديق في نشر السنة وإثراء الحياة العلمية في عصره]
ولاشك أن ابن الصديق كان له اليد البيضاء على العلماء من بعده سواء بما نقل لهم عن كتب لم ترها العيون من قبل، أو بما خلَّف لهم من تراث محرر شامل جامع، يقول الشيخ التليدى (١):
وأما إذا كتب في جزئية فقهية فلا يترك فاذة ولا شاذة ولا إيرادًا ولا اعتراضًا ولا مذهبًا له تعلق بذلك إلا ويذكره بنصه من أصوله وكتب أهله التى قد لا يسمع بها أكابر المطلعين وأساطين المحققين، وكان لا يقتصر على مذاهب الأئمة المتبوعين بل يأتى بمذاهب الصحابة والتابعين وتابعيهم واجتهاداتهم وفتاويهم وغرائبهم حتى يظن القارئ أنه عاصر جميعهم وأخذ عنهم وارتوى من ينابيع علومهم مشافهة اهـ.
وكان له قلم سيال بما يتحف القارئ ويشفي غليل السائل، فلا تراه إلا مشتغلا بحديث رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إما بإنشاء المستخرجات على الكتب الحديثية، أو بالنقد والكلام عن علل الرجال -وهو علم من أدق العلوم لا يتصدر له إلا الفرسان في علم الحديث- أو إجابة لمن سأله عن صحة حديث مع بيان طرقه والكلام عليه، أو هو يبيِّضُ ما كان كتبه سالفا، حيث لم يكن يعتمد في ذلك على أحد -كما هو الحال مع كثير من العلماء- بل كان يقوم على جميعها بنفسه.
(١) انظر "حياة الشيخ أحمد بن الصديق" لعبد اللَّه التليدي (ص ٢٨).