وبعد هذه المقدمة فاعلم أن البيهقى قال في كتاب الوصايا [٦/ ٢٧٦]:
أخبرنا أبو عبد اللَّه الحسين بن محمد بن الحسن الدينورى ثنا عمر بن الخطاب العنبرى ثنا عبد اللَّه بن الفضل بن داخرة ثنا محمد بن أبي بكر المقدس ثنا دلال بنت أبي المدل قالت: حدثتنا الصهباء عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: "يا رسول اللَّه ما حق -أو قال: ما حد- الجوار، قال: أربعون دارًا"، هكذا أورده البيهقى بالشك، وهكذا هو في اختصار المهذب للذهبى.
وبلا شك ندرى أن الشك إنما هو من الراوى، وأن السؤال إنما هو من عائشة رضي اللَّه عنها، ولكن المقرر في الأصول أن السؤال معاد في الجواب، وعليه يبنى أهل الحديث في ترتيب الأحاديث القولية على حروف المعجم، فيجعلون أولها هو أول لفظ السائل على هذه القاعدة ليتم الكلام، وإذ ذلك كذلك فالمصنف اختار لفظة "حد" بالدال لأنها الصحيحة الموافقة للمعنى دون مجاز ولا تقدير بخلاف: "حق الجوار أربعون دارًا" فإنه لا يستقيم حمل الخبر على المبتدأ إلا بتقدير: "إذ حق الجوار، ليس هو أربعين دارًا، وإنما حق الجوار البر والإحسان ومراعاة الحقوق، وذلك ينتهى في المجاورين إلى حد أربعين دارًا"، فكان اللفظ راجعًا إلى الحد أيضًا، فاتضح أن الشارح جاهل بمعانى الألفاظ وكاذب فيما نسبه إلى المؤلف من التحريف أيضًا لأنه على فرض أنه لم يقف على سنن البيهقى فإنه وقف على مهذب السنن للذهبى، وهو كثير النقل منه عند كل حديث ذكر من السنن، والحديث قد وقع في المهذب كما وقع في السنن باللفظين على الشك كما ذكرته وكما فعل المصنف في اختحاره لفظ "حد" بالدال.
كذلك فعل الحافظ في التلخيص [٣/ ٩٣، رقم ١٣٧٤]، فإن الرافعى ذكره بلفظ