وقد كان يدرس صحيح مسلم وجامع الترمذي بالجامع الكبير بطنجة فكان يملي ثمانين حديثا بأسانيدها من حفظه بلا تلعثم ولا توقف، ثم إذا فرغ منها يرجع فيبتدئ بالحديث الأول فيتكلم على تخريجه وذلك بأن يذكر من وافق المصنف على تخريج ذلك الحديث من أصحاب الأمهات والأصول المسندة ثم يذكرها بألفاظها وطرقها ورواتها معزوة إلى مخرجيها، وهو في كل ذلك يصحح ويحسن ويضعف، ثم ينتقل لرجال الحديث فيتكلم على تراجمهم واحدا إثر الآخر فيذكر مواليدهم ونشآتهم ورحلاتهم وشيوخهم وتلامذتهم وأحوالهم وسيرهم ووفياتهم، وكانت تراجم هؤلاء جميعا نصب عينيه كأنه عاصر الجميع اهـ.
وكان -رحمه اللَّه- لا يتوانى عن الدعوة إلى العمل بكثير من السنن المهجورة في مذهب مالك كالتعوذ والبسملة والجهر بالتأمين ورفع اليدين في الانتقال ووضع اليمين على الشمال والسلام من الصلاة مرتين والأذان بين يدي الخطيب في يوم الجمعة، إلى غير ذلك من السنن الشريفة التي كاد يَحْرمُ العمل بها في بلاد المغرب قاطبة.
وكما كان ذلك حاله في الدعوة إلى نشر السنة، كان كذلك يحب موافقة السنة في كل شئ:
- من ذلك أنه كان يخضب وفرته ولحيته إلى أن توفي.
- ومنها أنه مشى مرة حافيا في الطريق ليوافق بذلك فعل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-.
(١) انظر "حياة الشيخ أحمد بن الصديق" لعبد اللَّه التليدي (ص ٢٩) بتصرف.