وكان ينبغي له إذا اختاره، ألا ينكر قول من قال: إنه آباؤه وأسلافه، لأن كل واحد من القولين صحيح له حجج وأدلة، كذلك قال أبو عمر المطرزي. ومن أبني ما يحتج به من قال: إن العرض ذات الرجل ونفسه، حديث أبي الدرداء، وحديث ابن عينيه، وحديث أبي ضمضم، وقد ذكرها ابن قتيبة. ويزيد ذلك أيضاً، ما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله:(لي الواجد يحل عقوبته وعرضه). فإنما أباح له أن يقول فيه، ولم يبح أن يقول في آبائه وأسلافه، واللي: مصدر لويته بدينه ليا وليانا: إذا مطلته به، وقد ذكر أبو عبيد هذا الحديث وفسره بنحو مما ذكرناه.
وقال أبو عمر الشيباني في كتاب "الحروف": العرض: الجسد. حكاه عن العذري.
وأما ما احتج به ابن قتيبة من قوله صلى الله عليه وسلم في صفة أهل الجنة، "لا يبولون ولا يتغوطون، إنما هو عرق يجري من أعراضهم مثل المسك"، فليست فيه حجة بينة لأن العرب تسمى المواضع التي تعرض من الجسد أعراضاً، والعرض الذي وقع فيه الخلاف ليس هذا، لأن العرض لفظة مشتركة تقع لمعان شتى، لا خلاف فيها بين اللغويين. وإنما وقع الخلاف في العرض الذي يمدح به الإنسان أو يذم. وهكذا بيت حسان بن ثابت: