والقول الثالث: أنها تكتب منفصلة على كل حال. والذي ذكره ابن قتيبة أحسن الأقوال. غير أنه يحتاج إلى زيادة في البيان، ليعلم الموضع الذي يلزم فيه نصب الفعل، والموضع الذي يرفع فيه، وحينئذ يبين الموضع الذي يظهر فيه (أن) والموضع الذي لا يظهر فيه.
* * *
أعلم أن (أن) المشددة وضعت للعمل في الأسماء، وأن المخففة وضعت للعمل في الأفعال المستقبلة. فما دامتا على أصل وضعهما، فلا لبس بينهما، لأن أحداهما مشددة - والثانية مخففة، وإحداهما تعمل في السماء، والثانية في الأفعال.
ثم إن المشددة يعرض لها في بعض المواضع التخفيف، وإضمار اسمها، فلا يظهر في اللفظ، ويعرض لها عند ذلك أن يليها الفعل، كما يلي المخففة في أصل وضعها، فيقع اللبس بينهما، فيحتاجان إلى ما يفصل بينهما، والفصل بينهما يكون من وجهين:
أحدهما: أن المخففة من الشديدة تقع قبلها الأفعال المحققة، نحو علمت، وأيقنت، وتحققت، والناصبة للفعل تقع قبلها الأفعال التي ليست محققة، نحو رجوت وأردت وطمعت.
والوجه الثاني: أن المخففة من المشددة يلزمها العوض من المحذوف منها، والعوض أربعة أشياء: السين، وسوف، وقد، ولا، التي للنفي، كقولك: حلمت أن سيقوم، وأيقنت أن سوف يخرج، وتحققت أن قد ذهب. وما يعترضني شك في أن لا يفعل. وإنما لزم وقوع الأفعال المحققة قبل المخففة من المشددة، والأفعال غير المحققة