قبل الناصبة للفعل، لأن (أن) المشددة إنما دخلت في الكلام لتحقيق الجمل وتأكيدها. فوجب أن يقع قبلها ل فعل محقق، لأنه مشاكل لها، ومطابق لمعناها.
ولما كانت (أن) الناصبة للفعل، إنما وضعت لنصب الأفعال المستقبلة، والفعل المستقبل ممكن أن يكون، وممكن أن لا يكون، وجب أن يقع قبلها كل فعل غير محقق، لأنه موافق لمعناها، فإذا وقع قبلها الظن والحسبان، جاز أن تكون المخففة من الشديدة، وجاز أن تكون الناصبة للفعل، لأن الظن خاطر يخطر بالنفس، فيقوى تارة، ويضعف تارة. فإذا قوى وكثرت شواهده ودلائله، صار كالعلم، ولذلك استعملت العرب الظن بمعنى العلم.
وإنما قلنا: إن إظهار (أن) في الخط إذا كانت مخففة من المشددة، وترك إظهار غير المخففة هو القياس، لأن سبيل ما يدغم في نظيره أو مقاربه ألا يكون بينه وبين ما يدغم فيه حاجز، من حركة ولا حرف، لأنه إذا كان بينه وبينه حاجز، بطل الإدغام. ولذلك لزم ألا يدغم شيء في مثله أو مقاربه، حتى تسلب عنه حركته، لأن الحركة تحول بينهما إذا كانت رتبة الحركة (أن) بعد الحرف.
فلما كان اسم (أن) المخففة من الشديدة مضمراً بعدها، مقدراً معها، صار حاجزاً بينها وبين (لا)، فبطل إدغام النون من (أن) في لام (لا) لأجل ذلك.
ولما كانت (أن) الناصبة للأفعال ليس بعدها شيء مضمر، باشرت النون لام (لا) مباشرة المثل للمثل، والمقارب للمقارب. فوجب إدغامها فيها، فانقلبت إلى لفظها، فلم يجز ذلك ظهورها في الخط.