الباب، على الرأيين جميعاً، طال ذلك جداً، واحتجنا إلى أن نتكلف ما تلكفه المنكرون له. ولكنا نقول في ذلك قولاً متوسطاً بين القولين أخذاً بطرف من كلا المذهبين، ينتفع به من يقف على معناه، ويستدل به على سواه، إن شاء الله تعالى.
* * *
(اعلم) أن العرب قد تحذف حروف الجر من أشياء هي محتاجة إليها، وتزيدها في أشياء هي غنية عنها. فإذا حذفوا حرف الجر مما هو محتاج إليه، فذلك لأسباب ثلاثة:
أحدها: أن يكثر استعمال الشيء، ويفهم الغرض منه والمراد فيحذف الحرف تخفيفاً، كما يحذفون غير ذلك من كلامهم، مما لا يقدر المنكرون على أن يدفعوه، كقولهم:(أيش لك)، يريدون: أي شيء. و (يلمه)، وهم يريدون: ويل أمه، وويل لامه. وذلك كثير جداً، كحذفهم المبتدأ تارة، الخبر تارة، وغير ذلك مما يعلمه أهل هذه الصناعة.
والثاني: أن يحمل الشيء على شيء آخر وهو في معناه، ليتداخل اللفظان، كما تداخل المعنيان، كقولهم: استغفر الله ذنبي، حين كان بمعنى استوهبه إياه:
والثالث: أن يضطر إلى ذلك شاعر، كنحو ما أنشده الكوفيون من قول جرير: