للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإنما زاد حرف الجر فيما هو غنى عنه، فذلك لأسباب أربعة: أحدها: تأيد المعنى وتقوية عمل العامل، وذلك بمنزلة من كان معه سيف صقيل، فزاده صقلاً، وهو غني عنه، أو بمنزلة من أعطى آلة يفعل بها، وهو غير محتاج إليها، مئونة له على فعله. والثاني: الحمل على المعاني، ليتداخل اللفظان، كتداخل المعنيين، كقول الراجز:

(نضرب بالسيف ونرجو بالفرج

فعدى الرجاء بالباء حين كان بمعنى الطمع، وكقول الآخر:

أردت لكيلا يعلم الناس أنها ... سراويل قيس والوفود شهود

حين كان بمعنى إرادتي واقعة لهذا الأمر. والثالث: أن يضطر شاعر.

والرابع: أن يحدث بزيادة الحرف معنى لم يكن في الكلام. وهذا النوع أظرف الأنواع الأربعة، وألطفها، مأخذاً، وأخفاها صنعة. ومن أجل هذا النوع، أراد الذين أنكروا هذا الباب أن يجعلوا لكل معنى غير معنى الآخر، ضاق عليهم المسلك، وصاروا إلى التعسف.

وهذا النوع كثير في الكلام، يراه من منحه الله طرفا ًمن النظر، ولم يمر عليه معرضاً عنه. فمن لك قولهم: شكرت زيداً، وشكرت لزيد، يتوهم كثير من أهل هذه الصناعة: أن دخول اللام هاهنا كخروجها، كما توهم ابن قتيبة ويعقوب، ومن كتبه نقل ابن قتيبة ما ضمنه هذا الباب، وليس كذلك، لأنك إذا قلت: شكرت زيداً، فالفعل متعد إلى مفعول واحد. وإذا قلت: شكرت لزيد، صار

<<  <  ج: ص:  >  >>