للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قدرة الله التي ليس كمثلها شيء، ويستدل على ذلك بما في هذا الكون من مشهد السماء المرفوعة بغير عمد والأرض الممهودة، والجبال المنصوبة، والزروع والثمار، والشجر والدواب، والبحار والرياح، والشمس والقمر، والليل والنهار، والأحياء والأموات، والقبض والبسط، والتصريف والتدبير، كل ذلك في نظام محكم دقيق لا تدبره وتُمْسكه إلّا قدرة عظيمة لا يمكن للعقل أن يتصور حدودها حيث لا يعجزها شيء ولو لم تُمْسِكْهُ تلك القدرة العظيمة لانفرط عقد هذا الكون وانقطع التصريف والتدبير وانقطعت الحياة على الأرض:

{إِنَّ اللهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا} (١).

{وَمَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} (٢).

فمن علم ما في هذا الكون من مشاهد وأيقن أنها تحتاج إلى تصريف وتدبير بعد الإِيجاد والخلق والحفظ عرف من قدرة الله سبحانه ما يحمله على الإِيمان بها وبصفة أخرى تلازمها وهي صفة العلم المحيط الذي لا يند عنه شيء في الأرض ولا في السماء، إذْ لا يتحقق ذلك التصريف والتدبير والحفظ إلّا عن طريق علم واسع محيط لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض.

وجميع المشاهد في الأرض تدل على ذلك، فكما عرض القرآن تلك المشاهد الأنفة الذكر على العقل البشري وهز بها الوجدان البشري ليقرر حقيقة القدرة التي ليس كمثلها شيء ولا يعجزها شيء .. كذلك استحدم المشاهد نفسها ليقرر حقيقة العلم الذي ليس كمثله شيء ولا يند عنه شيء. فالسماء المرفوعة


(١) سورة فاطر: آية ٤١ - وهذه الآية جاءت بعد تقرير الألوهية لله سبحانه بلا شريك لا في الخلق ولا في الأمر.
(٢) سورة الزمر: آية ٦٧.

<<  <   >  >>