العجز والحاجة والافتقار لمن يتبعهم الكفار -من دون الله أو مع الله- وهذا المنهج في الدعوة والتربية إذا استعمل على هذا النحو وعرض على القلب البشري فإنه لا بد أن تزول عنه الجهالة ويبصر الحق فإن رغب (١) في اتباعه سجد قلبه لعظمة هذا الخالق سبحانه ثم تسجد جوارحه بعد ذلك لكل ما يجيء من عند الله.
تسجد وقد شهدت هذا الإِعجاز والإِبداع في خلقه سبحانه لهذا الملكوت العظيم ويزداد إيمانها بهذا الإعجاز والإِبداع بعد أن تشهد ثباتهما وشمولهما لكل ذلك الملكوت وما فيه من مخلوقات.
ثم تسجد مرة أخرى لشريعة الله فتشهد فيها ذلك الإِعجاز والإِبداع كما شهدته في ذلك الملكوت في ثبات وشمول.
وقد استطاع منهج التربية القرآنية أن يعرف الناس بصفات الله على هذا النحو حتى أخرج خير أمة للناس تتمثل في الجيل الأول ومن تبعه بإحسان، فأدرك الناس هذه المعاني وشهدوها بعقولهم وأسماعهم وأبصارهم وقلويهم فاستسلموا لكل ما يجيء من عند الله، معرضين عما سواه، مطمئنين لمظاهر الإِعجاز في هذه الشريعة والثبات والشمول لكل ما يحتاجونه لإِقامة الخلافة على الأرض، وقد آمنت قلويهم بهذه الحقيقة وأعرضوا عما سواه -أمام الحديث المستمر الذي حققه منهج التربية القرآني- قبل أن تنزل تلك الأحكام التفصيلية، فلما نزلت ازدادوا إيماناً مع إيمانهم، فأقاموا الخلافة في هذه الأرض تحكمها هذه الشريعة المعجزة المبدعة وسط هذا الملكوت المعجز المبدع، وشعار ذلك الإِعجاز الإِبداع والشمول والثبات.
وهذا شيء يسير يصّور لنا منهج التربية الذي تربى عليه ذلك الجيل فأدرك أول ما أدرك صفات الإِله المعبود بحق على الكمال والتمام وحمله ذلك على تحقيق توحيد الألوهية فآمن وأذعن واستسلم لشريعة الله الواحد القهار
(١) لأنه قد يشهد الإعجاز ويبصر الحق ويعاند فهذا لا تنفع فيه الحجة، وقد قال الله عن مثل هذا: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ} - سورة النمل: آية ١٤.