للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وبعث الله تعالى من عباده قراء أخذوا كتابه تلقياً من الصحابة وعلّموه لمن يأتي بعدهم، حرصاً على موافقة الجماعة في تأليفه في المصاحف حتى يتوافق الجميع على شيء واحد ولا يقع في القرآن اختلاف من أحد من الناس.

ثم قيّض الله تعالى أناساً يناضلون عن دينه ويدفعون الشبه ببراهينه ... وبعث الله من هؤلاء سادة فهموا عن الله وعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاستنبطوا أحكاماً فهموا معانيها من أغراض الشريعة في الكتاب والسنة: تارة من نفس القول وتارة من معناه، وتارة من علة الحكم حتى نزلوا الوقائع التي لم تُذْكر على ما ذُكِر وسهّلوا لمن جاء بعدهم طريق ذلك ..

وهكذا جرى الأمر في كل علم توقف فهم الشريعة عليه أو احْتِيجَ في ايضاحها إليه وهو عين الحفظ الذي تضمنته الأدلة المنقولة وبالله التوفيق" (١).

ولا يقال كيف يتم الحفظ - الذي هو قاعدة من قواعد الثبات والشمول مع أنه لايمكن لأحد من أهل العلم بالعربية أن يجمع لغة العرب، ولا يمكن لمحدّث أن يجمع الحديث كله، وهكذا في سائر العلوم التي تخدم الشريعة. لأنّا نجيب بما ذكره الإِمام الشافعي -رَحِمَهُ اللهُ- في الرسالة حيث أشار إلى أن الله قد حفظ علم الشريعة حيث قيض له رجالاً يقومون بجمعه وحفظه، فلا يضيع منه شيء.

فلسان العرب محفوظ لا يجمعه عالم واحد ولا يضيع علمه عن علماء اللغة، وكذلك علم الحديث محفوظ لا يجمعه عالم بالحديث ولا يضيع علمه عن علماء الحديث.

وما ذكره الإِمام ابن تيمية وفضّله الشاطبي أصله في الرسالة للإِمام الشافعي عند كلامه على أن القرآن إنما نزل بلسان العرب، فمن علم لسان العرب أمكنه أن يعلم كتاب الله .. فقال: "ولسان العرب أوسع الألسنة مذهباً


(١) الموافقات ٢/ ٤١ - ٤٢.

<<  <   >  >>