للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكلام الشافعي في معنى ما نقل عن الصحابة - رضوان الله عليهم -، فقد كانوا يقتدون برسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيحافظون على استقرار الأحكام لتكون ثابتة حتى في أفهام العامة وذلك لأن عدم استقرارها يؤدي إلى تغييرها في نفسها. وبعد عصر الصحابة تجد عمر بن عبدالعزيز -رَحِمَهُ اللهُ- يذكر بهذا المعنى في خطبته لما بايعه الناس حيث قال بعد أن حمد الله وأثنى عليه: "أيها الناس إنه ليس بعد نبيكم نبي ولا بعد كتابكم كتاب ولا بعد سنتكم سنة، ولا بعد أمتكم أمة، ألا وإن الحلال ما أحل الله - في كتابه على لسان نبيه حلال إلى يوم القيامة ألا وإن الحرام ما حرم الله في كتابه على لسان نبيه حرام إلى يوم القيامة، ألا وإني لست بمبتدع ولكن متّبع، ألا، وإني لست بقاضي (١) ولكني منفذ، ألا وإني لست بخازن ولكني أضع حيث أُمرت ألا وإني لست بخيركم ولكني أثقلكم حملًا، ألا ولاطاعة لمخلوق في معصية الخالق، ثم نزل" (٢).

وفي هذه الخطبة يبْرز موقف السلف من المحافظة على ثبات الأحكام وأنهم يجعلون ذلك عقيدة لهم يدعون إليها ويربون الأمة عليها، ولو أن المسلمين أدركوا ذلك كما أدركه السلف الصالح واعتقدوه ودعوا إليه وحافظوا عليه لاستقرت الأحكام في مجتمعاتهم ولصدو هجوم الغزو الفكري المتمثل في القوانين الوضعية ونبذوها ولقالوا للناس كافة أنه ليس بعد هذا الكتاب كتاب ولا بعد السنة سنة ولا بعد هذه الأمة أمة .. لو فعلوا ذلك لكانت هذه الأمة بيدها مقاليد البشرية تعلمها الحق وتحكمها بهذه الشريعة .. ولكن التغيير والتبديل الذي وقعت فيه طوائف كثيرة من هذه الأمة جعلها تتبع غير سبيل المؤمنين وجعل الغزو الفكري ينفد إلى أهم مواقعها ويحيط هذه الأمة بشبه كثيرة وينشر بينها أفكار المذاهب المعاصرة وأنظمتها بدعوى عدم شمولية الشريعة للأحوال المتجددة (٣)، ونحن نذكّر بعقيدة الصحابة والتابعين على هذا النحو ونؤكد على


(١) علق المحقق الشيخ محمد رشيد رضا فبيّن أنّ المقصود من قوله هذا أنه ليس بمشرّع ولكنه منفذ وهو كما قال، الاعتصام ١/ ٨٦.
(٢) الاعتصام ١/ ٨٦.
(٣) سيأتي مناقشة المستشرقين ونقض دعواهم إن شاء الله.

<<  <   >  >>