للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

"ثبات الشريعة" كليات وجزئيات (١) لأن ذلك هو الطريق لإقامة أحكام الشريعة، فلا نستطيع أن نتصور شمولاً لأحكامها بغير ثبات لها، والأمر هنا أمر عقيدة، ولذلك اجتهد الصحابة في المحافظة على ثبات الأحكام لأنه لا بد أن يعتقد المسلمون أن الحرام حرام إلى يوم القيامة وأن الواجب واجب إلى يوم القيامة، وأن المندوب مندوب إلى يوم القيامة، فيتضح الحق في نفوسهم ويميّزون بينه وبين أحكام الجاهلية ويحولون بينها وبين مجتمعاتهم وقلوبهم وعقولهم وينفرون ويتبرؤون من أهلها مهما بلغوا من القوة المادية تماماً كما فعل السلف الصالحٍ - رحمهم الله تعالى - حيث حالوا بين السنة والبدعة وجعلوا بينهما حجراً محجورا لكي ينجلي الحق وتندفع الشبه.

ومن كلام عمر بن عبد العزيز الذي حفظه العلماء - وكان يعجب مالكاً جداً - قوله -رَحِمَهُ اللهُ-: "سن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وولاة الأمر من بعده سنناً (٢) الأخذ بها تصديق لكتاب الله، واستكمال لطاعة الله وقوة على دين الله ليس لأحد تغييرها ولا تبديلها ولا النظر في شيء خالفها، من عمل بها مهتد ومن انتصر بها منصور، ومن خالفها اتبع غير سبيل المؤمنين وولاه الله ما تولى وأصلاه جهنم وساءت مصيراً" (٣) وإذا تأملنا في كلامه -رَحِمَهُ اللهُ- وجدنا الربط بين الشريعة والعقيدة جلياً واضحاً وتظهر معالمه في هذه الأمور:

الأول: أن الوقوف عند الفهم الصحيح للإِسلام كتاباً وسنة تصديق بالوحي وقوة في الدين.


(١) سيأتي مناقشة القائلين بتغير بعض الجزئيات وتصوير مذهبهم في دراسة خاصة إن شاء الله.
(٢) سنة الخلفاء الراشدين من سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقد أمر رسول الله باتباع سنتهم في قوله: "فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين الراشدين تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ .. " سنن أبي داود.
(٣) انظر الاعتصام ١/ ٨٧ وقد علق عليه الشاطبي -رَحِمَهُ اللهُ- بتعليق نفيس فراجعه ومنه قوله: "وفي كلام عمر قطع لمادة الابتداع جملة".

<<  <   >  >>