الثاني: أن على المسلمين أن يعتقدوا أنه ليس لأحد أن يغيّر أو يبدّل من أحكام هذه الشريعة فمن فعل ذلك ساء مصيره واتبع غير سبيل المؤمنين فعليهم أن يتبرؤا منه لأنه سلك طريقاً غير طريقهم واتبع منهجاً غير منهجهم.
الثالث: يجب عليهم أن يعتقدوا أنه ليس لأحد منهم أن ينظر فيما خالفها ومن فعل ذلك اتبع غير سبيل المؤمنين.
وهذا الثبات الذي حافظ عليه التابعون تعلموه من الصحابة - رضوان الله عليهم - وقد تعلموه جميعاً من هذا القرآن الذي دل على ثبات هذه الشريعة، فإن نزولها بالحق وعصمتها وعصمة رسولها وعصمة الأمة في مجموعها كل ذلك من قواعد الثبات سواء في الكليات أو الجزئيات، مع العلم أن كلياتها قد استقرت سواء الضروريات أو الحاجيات أو التحسينات، لأن كل ما يعود بالحفظ على الدين والعقل والنفس والعرض والمال ثابت، وذلك في جميع الرسالات (١) ثم تتابع نزول الجزئيات فكملت الشريعة قبل وفاة الرسول - صلى الله عليه وسلم - فحفظت الأمة الكليات والجزئيات معاً، وحفظ الله كتابه وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - من سابق الأزل كما قال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (٩)} وانقطع الوحي بعد وفاة الرسول - صلى الله عليه وسلم - لأن الوحي إنَّما هو من الله، والرسول بشر يوحى إليه:
(١) ومن الآيات الدالة على"ذلك قوله تعالى: " {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى} " الشورى آية: ١٣، {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ} سورة الأحقاف: ٣٥. {مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ} سورة الحج: آية ٧٨ وفي قصة موسى - عليه السلام - أمره بإقامة الصلاة بعد التوحيد: {إِنَّي أَنَا الله لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} سورة طه: آيه ١٤. {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} سورة البقرة: آية ١٨٣. {إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ} سورة القلم: آية ١٧، {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} أي كتبنا عليهم في التوراة، سورة المائدة: آية ٤٥ .. وقد اعتبرت الحاجيات مع الضروريات لأنهم لم يكلفوا بما لم يطيقوا .. وكذلك الأمر في الرسالة الخاتمة. انظر الموافقات ٣/ ٨٠.