للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والأذكياء وأهل الفطنة خلق كثير، وطبقات علمائهم كثيرة وفي كل طبقة طائفة منهم ومع ذلك لم تجمعهم عقولهم على أمر واحد، بل إن الفرقة الواحدة تختلف اختلافًا عجيبًا مع أن أصولها واحدة وأهدافها واحدة ويقع عقلاؤها في العجائب من الأمور بحيث لا يصدق من عافاه الله من هذا الشر بأن هذا يصدر من أحد ينتسب إلى الإِسلام، ومع ذلك صدر عن هؤلاء وهم يملكون القدرة على التفكير والتدبر ومعهم الآلة التي تعينهم على ذلك ألا وهي العقل، هذا فيمن ينسبون إلى هذه الأمة، أما من لم ينتسبوا إليها فهم أشد تخبطًا وضلالًا، وفرق الديانات الجديدة في عالمنا اليوم كثيرة لا تحصى (١) وهؤلاء وأولئك يملكون آلة العقل، ويقدرون على التفكر والتدبر، فأين هذا "العقل" عن إدراك مصالحهم وجمع كلمتهم وتوحيد نظرتهم للكون والحياة والأشياء من حولهم .. !! ومرت العصور تلو العصور و"العقل" لم يمكنه أن يصنع ذلك ولو في فترة محدودة، ذلك لأنه عاجز عن تحقيق ذلك، ولا يملك القدرة عليه مهما بلغ في القوة من ناحية الإِنتاج المادي، أما الرسل عليهم السلام فقادرون على ذلك لا بوصفهم بشرًا عقلاء وإنما بوحي من الله ومشيئة منه، فكيف يقدم "العقل" على "الوحي" إذن.

٥ - والحاصل: أن قولهم أن العقل أصل النقل غير صحيح بل هو أصل الإِيمان بالمعجزة فقط، ولذلك: "إذا تعارض الشرع والعقل وجب تقديم الشرع، لأن العقل مصدق للشرع في كل ما أخبر به، والشرع لم يصدق العقل في كل ما أخبر به ولا العلم بصدقه موقوف على كل ما يخبر به العقل" (٢).

ويكفينا من العقل أن يُعلّمنا صدق الرسول ومعاني كلامه بالطريقة التي


(١) انظر في أصول أفكارهم الملل والنحل لإبن حزم والملل والنحل للشهرستاني وكل كتاب من كتب الفكر الحديث عن المذاهب والنظريات والأفكار يشهد بذلك، بل واقع البشرية اليوم أصدق بيان وأقرب كتاب. ومن عجب أن كل فريق يزعم أن مقالته قد دل عليها العقل الصريح، وانظر كتاب الدرء ١/ ١٥٦ - ١٧٠ تجد صورة تطبيقية لذلك من معتقدات أهل الكلام والفلاسفة.
(٢) ١/ ١٣٨.

<<  <   >  >>